وَجُمْلَةُ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمُ الْمَحْكِيِّ. وَمَعْنَى لَا جَرَمَ لَا شَكَّ، أَيْ حَقًّا. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ هُودٍ.
ومُفْرَطُونَ- بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ- فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَفْرَطَ، إِذَا بَلَغَ غَايَةَ شَيْءٍ مَا، أَيْ مُفْرِطُونَ فِي الْأَخْذِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.
وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ- بِكَسْرِ الرَّاءِ مُشَدِّدَةً- مِنْ فَرَّطَ الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ- بِفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً- عَلَى زِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ مَجْعُولُونَ فَرَطًا- بِفَتْحَتَيْنِ- وَهُوَ الْمُقَدَّمُ إِلَى الْمَاءِ لِيَسْقِيَ.
وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمْ سَابِقُونَ إِلَى النَّارِ مُعَجِّلُونَ إِلَيْهَا لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ اسْتِحْقَاقًا لَهَا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ إِطْلَاقُ الْإِفْرَاطِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِعَارَةً تَهَكُّمِيَّةً كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا أَرَادَ فَبَادَرْنَا بِقِتَالِكُمْ حِينَ نَزَلْتُمْ بِنَا مغيرين علينا.
وفيهَا مَعَ ذِكْرِ النَّارِ فِي مُقَابَلَتِهَا مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ. عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ نَافِعٍ تَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ بِهَذَا أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: أَفْرَطَ إِلَى الْمَاءِ إِذَا تقدّم لَهُ.
[63]
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ دَاخِلٌ فِي الْكَلَامِ الِاعْتِرَاضِيِّ قُصِدَ مِنْهُ تَنْظِيرُ حَالِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَكُفْرِهِمْ فِي سُوءِ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ بِحَالِ الْأُمَمِ الضَّالَّةِ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّذِينَ اسْتَهْوَاهُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ مِثْلُ عَادٍ وَثَمُودَ، وَالْحَاضِرَةِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.