مَا يَشْتَهُونَ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي التَّفْظِيعِ، فَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ فِي الْجُمْلَةِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التهكّم.

وَمَا صدق مَا يَشْتَهُونَ الْأَبْنَاءُ الذُّكُورُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِالْبَنَاتِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى [سُورَة النَّحْل: 58] ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُمْ ذُكُورًا مِنْ أَبْنَائِهِمْ فَهَلَّا جَعَلُوا لِلَّهِ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. وَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي إِفْسَاد معتقدهم بِحَسَبِ عُرْفِهِمْ وَإِلَّا فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ سَوَاءٌ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّوَلُّدِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْحُدُوثِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ.

وَسَيُخَصُّ هَذَا بِالْإِبْطَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [سُورَة النَّحْل:

62] . وَلِهَذَا اقْتُصِرَ هُنَا عَلَى لَفْظِ الْبَنَاتِ الدَّالِّ عَلَى الذَّوَاتِ، وَاقْتُصِرَ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ الْأَبْنَاءَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إِلَى كَرَاهَتِهِمُ الْبَنَاتِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَرَجَةٌ أُخْرَى مِنْ كُفْرِهِمْ ستخصّ بالذّكر.

[58، 59]

[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)

الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْحَالِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ اقْتَضَى الْإِطَالَةَ بِهَا أَنَّهَا مِنْ تفاريع

شركهم، فَهِيَ لذَلِك جديرة بِأَن تكون مَقْصُودَة بِالذكر كأخواتها. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ تُجْعَلَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [سُورَة النَّحْل: 57] الَّتِي هِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيتُ قَصْدَهَا بِالْعَدِّ. وَهَذَا الْقَصْدُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمَقَامِ وَإِنْ كَانَ مَآلُ الِاعْتِبَارَيْنِ وَاحِدًا فِي حَاصِلِ الْمَعْنَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015