وَهَذَا تَأْصِيلٌ لِكَوْنِ عَالَمِ الْحَقَائِقِ غَيْرَ خَاضِعٍ لِعَالَمِ الْأَوْهَامِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» .

وَفِيهِ «لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَدَمُهُ يَشْخُبُ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ»

. وَمَعْنَى فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ اسْقُطُوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَهَذِهِ الْحَالُ لِإِفَادَةِ نَوْعِ الْوُقُوعِ، وَهُوَ الْوُقُوعُ لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [سُورَة يُوسُف: 100] .

وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِتَعْظِيمٍ يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الْمَلَائِكَةِ وَأَشْكَالَهُمْ تَقْدِيرًا لِبَدِيعِ الصُّنْعِ وَالصَّلَاحِيَةِ لِمُخْتَلِفِ الْأَحْوَالِ الدَّالِّ عَلَى تَمَامِ عِلْمِ اللَّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ.

وَأَمْرُ الْمَلَائِكَة السُّجُود لَا يُنَافِي تَحْرِيمَ السُّجُودِ فِي الْإِسْلَامِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ الْإِشْرَاكِ وَالْمَلَائِكَةُ مَعْصُومُونَ مِنْ تَطَرُّقِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.

وَثَانِيهَا: أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ امْتَازَتْ بِنِهَايَةِ مَبَالِغِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ، فَجَاءَتْ بِمَا لم تجىء بِهِ الشَّرَائِعُ السَّالِفَةُ لِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بُلُوغَ أَتْبَاعِهَا أَوْجَ الْكَمَالِ فِي الْمَدَارِكِ، وَلَمْ يَكُنِ السُّجُودُ مِنْ قَبْلُ مَحْظُورًا فَقَدْ سَجَدَ يَعْقُوبُ وَأَبْنَاؤُهُ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَكَانُوا أَهْلَ إِيمَانٍ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَلَا تُقَاسُ أَحْكَامُهُ عَلَى تَكَالِيفِ عَالَمِ الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ عُنْوَانٌ عَلَى طَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ.

وكُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ، أَيْ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِ السُّجُودِ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الْأَعْرَافِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015