وَالْحِفْظُ: الْمُرَاقَبَةُ، وَمِنْهُ سُمِّي الرَّقِيبُ حَفِيظًا. وَالْمَعْنَى: يُرَاقِبُونَ كُلَّ أَحَدٍ فِي أَحْوَالِهِ مِنْ إِسْرَارٍ وَإِعْلَانٍ، وَسُكُونٍ وَحَرَكَةٍ، أَيْ فِي أَحْوَالِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ [الانفطار: 10] .

ومِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْإِحَاطَةِ مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا.

وَقَوْلُهُ: مِنْ أَمْرِ اللَّهِ صِفَةُ مُعَقِّباتٌ، أَيْ جَمَاعَاتٌ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الْإِسْرَاء: 85] وَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] يَعْنِي الْقُرْآنَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِفْظُ على الْوَجْه الثَّانِي مرَادا بِهِ الْوِقَايَةُ وَالصِّيَانَةُ، أَيْ يَحْفَظُونَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ، أَيْ يَقُونَهُ أَضْرَارَ اللَّيْلِ مِنَ اللُّصُوصِ وَذَوَاتِ السُّمُومِ، وَأَضْرَارَ النَّهَارِ نَحْوَ الزِّحَامِ وَالْقِتَالِ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَارًّا وَمَجْرُورًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ يَحْفَظُونَهُ، أَيْ يَقُونَهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ. وَهَذَا مِنَّةٌ عَلَى الْعِبَادِ بِلُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ وَإِلَّا لَكَانَ أَدْنَى شَيْءٍ يَضُرُّ بِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [سُورَة الشورى: 19] .

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَسُوقَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِمَصْنُوعَاتِهِ وَبَيْنَ التَّذْكِيرِ بِقُوَّةِ قُدْرَتِهِ وَبَيْنَ جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً

وَطَمَعاً

[سُورَة الرَّعْد: 12] . وَالْمَقْصُودُ تَحْذِيرُهُمْ مِنِ الْإِصْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ بِتَحْذِيرِهِمْ مِنْ حُلُولِ الْعِقَابِ فِي الدُّنْيَا فِي مُقَابَلَةِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي نِعْمَةٍ مِنَ الْعَيْشِ فَبَطَرُوا النِّعْمَةَ وَقَابَلُوا دَعْوَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُزْءِ وَعَامَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بالتّحقير وَقَالُوا لَو نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31]- وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015