دَالَّةً عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ يَنَالُهُ فَهِيَ خَبَرٌ إِلَهِيٌّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بَلْ لَعَلَّهُمْ يَحْسَبُونَهَا مِنَ الْإِنْذَارِ بِالْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي يَزُولُ تَسَبُّبُهَا بِتَعْطِيلِ بَعْضِهَا.

وَقَوْلُ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- هَذَا لِابْنِهِ تَحْذِيرٌ لَهُ مَعَ ثِقَتِهِ بِأَنَّ التَّحْذِيرَ لَا يُثِيرُ فِي نَفْسِهِ كَرَاهَةً لِإِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ وَثِقَ مِنْهُ بِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَصَفَاءِ السَّرِيرَةِ، وَمَكَارِمِ الْخُلُقِ. وَمَنْ كَانَ حَالُهُ هَكَذَا كَانَ سَمْحًا، عَاذِرًا، مُعْرِضًا عَنِ الزَّلَّاتِ، عَالِمًا بِأَثَرِ الصَّبْرِ فِي رِفْعَةِ الشَّأْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِإِخْوَتِهِ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [سُورَة يُوسُف:

90] وَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سُورَة يُوسُف:

92] . وَقَدْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَخِيهِ الَّذِي قَالَ لَهُ لِأَقْتُلُنَّكَ حَسَدًا لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [سُورَة الْمَائِدَة: 28] . فَلَا يُشْكِلُ كَيْفَ حَذَّرَ يَعْقُوبُ يُوسُفَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِنْ كَيْدِ إِخْوَتِهِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ مَا حَذَّرَهُ إِلَّا مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ إِخْوَتِهِ. وَهَذَا كاعتذار النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُ لَيْلًا وَهُوَ يُشَيِّعُ زَوْجَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى بَيْتِهَا

فَلَمَّا رَأَيَاهُ وَلَّيَا، فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَكْبَرَا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي نُفُوسِكُمَا»

. فَهَذِهِ آيَةُ عِبْرَةٍ بِتَوَسُّمِ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَحْوَالَ أَبْنَائِهِ وَارْتِيَائِهِ أَنْ يَكُفَّ كَيْدَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.

فَجُمْلَةُ إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ إِلَخْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَصِّ الرُّؤْيَا عَلَى

إِخْوَتِهِ. وَعَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ لِجِنْسِ الْإِنْسَانِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُمْ إِلَى إِضْرَارِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى إِخْوَتِهِ وَهُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015