وَ (مَا) فِي قَوْلِهِ: مَا يَعْبُدُ آباؤُنا مَوْصُولَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الْمَعْبُودَاتِ. وَمَعْنَى تَرَكِهَا تَرْكُ عِبَادَتِهَا كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ فِعْلُ يَعْبُدُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ: أَنْ نَتْرُكَ مِثْلَ عِبَادَةِ آبَائِنَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «أَصَلَوَاتُكَ» بِصِيغَةِ جَمْعِ صَلَاةٍ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَخَلَفٌ «أَصَلَاتُكَ» بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ.

وأَوْ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا لِتَقْسِيمِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَّجِرُ فَلَا يُطَفِّفُ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ فَهُوَ قِسْمٌ آخَرُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ بَقِيَّةِ الْأُمَّةِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ التَّطْفِيفِ. فَقَوْلُهُ: أَنْ نَفْعَلَ عَطْفٌ عَلَى مَا يَعْبُدُ آباؤُنا، أَيْ أَنْ نَتْرُكَ فِعْلَ مَا نَشَاءُ فِي أَمْوَالِنَا فَنَكُونَ طَوْعَ أَمْرِكَ نَفْعَلُ مَا تَأْمُرُنَا بِفِعْلِهِ وَنَتْرُكُ مَا تَأْمُرُنَا بِتَرْكِهِ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَا دَاعِيَ إِلَى جَعْلِ أَوْ بِمَعْنَى وَاوِ الْجَمْعِ، كَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ

الْمُفَسِّرِينَ مِثْلَ الْبَيْضَاوِيُّ وَالْكَوَاشِيُّ وَجَعَلُوهُ عَطْفًا عَلَى نَتْرُكَ فَتَوَجَّسُوا عَدَمَ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى كَمَا قَالَ الطَّبَرِيُّ. وَتَأَوَّلَهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْآخَرُ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَحَدُهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ وَالْآخَرُ عَلَى تَأْوِيلِ فِعْلِ تَأْمُرُكَ وَكِلَاهُمَا تَكَلُّفٌ. وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَصَارُوا إِلَى صَرْفِ أَوْ عَنْ مُتَعَارَفِ مَعْنَاهَا وَقَدْ كَانُوا فِي سَعَةٍ عَنْ ذَلِكَ. وَسَكَتَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِثْلُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» . وَأَوْمَأَ الْبَغَوِيُّ وَالنَّسَفِيُّ إِلَى مَا صَرَّحْنَا بِهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ اسْتِئْنَافُ تَهَكُّمٍ آخَرَ. وَقَدْ جَاءَتِ الْجُمْلَةُ مُؤَكَّدَةٌ بِحَرْفِ (إِنَّ) وَلَامِ الْقَسَمِ، وَبِصِيغَةِ الْقَصْرِ فِي جُمْلَةِ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ مُؤَكِّدَاتٍ.

وَالْحَلِيمُ، زِيَادَةٌ فِي التَّهَكُّمِ: ذُو الْحِلْمِ أَيِ الْعَقْلِ، وَالرَّشِيدُ: الْحَسَنُ التَّدْبِيرِ فِي المَال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015