وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورِ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَإِنَّ الضَّمِيرَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ اسْمِ الْإِشَارَةِ.

وَجُمْلَةُ إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ احْتِرَاسٌ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ مَالًا، وَالْمَالُ أَجْرٌ، نَشَأَ تَوَهُّمُ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ جَزَاءً عَلَى الدَّعْوَةِ فَجَاءَ بِجُمْلَةِ إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ احْتِرَاسًا. وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: مَالًا وأَجرِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ مِنَ اللَّهِ مَالًا وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ ثَوَابًا. وَالْأَجْرُ: الْعِوَضُ عَلَى عَمَلٍ. وَيُسَمَّى ثَوَابُ اللَّهِ أَجْرًا لِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَعَطَفَ جُمْلَةَ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى جملَة لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا لِأَنَّ مَضْمُونَهَا كَالنَّتِيجَةِ لِمَضْمُونِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا لِأَنَّ نَفْيَ طَمَعِهِ فِي الْمُخَاطَبِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَتْبَاعَهُ لِأَجْلِ إِرْضَاءِ هَؤُلَاءِ. وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْ أَتْبَاعِهِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ

آمَنُوا

لِمَا يُؤْذِنُ بِهِ الْمَوْصُول من تَغْلِيظ قَوْمِهِ فِي تَعْرِيضِهِمْ لَهُ بِأَنْ يَطْرُدَهُمْ بِمَا أَنَّهُمْ لَا يُجَالِسُونَ أَمْثَالَهُمْ إِيذَانًا بِأَنَّ إِيمَانَهُمْ يُوجِبُ تَفْضِيلَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَالرَّغْبَةَ فِيهِمْ فَكَيْفَ يَطْرُدُهُمْ. وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُمْ: وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا [هود: 27] مِنَ التَّعْرِيضِ بِأَنَّهُمْ لَا يُمَاثِلُونَهُمْ فِي مُتَابَعَتِهِ.

وَالطَّرْدُ: الْأَمْرُ بِالْبُعْدِ عَنْ مَكَانِ الْحُضُورِ تَحْقِيرًا أَوْ زَجْرًا. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [52] .

وَجُمْلَة إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِنَفِيَ أَنْ يَطْرُدَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ فَمُحَاسِبٌ مَنْ يَطْرُدُهُمْ، هَذَا إِذَا كَانَتِ الْمُلَاقَاةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَنْتَصِرُ اللَّهُ لَهُمْ إِذَا كَانَتِ الْمُلَاقَاةُ مَجَازِيَّةً، أَوْ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ حِينَ يَحْضُرُونَ مَجْلِسَ دَعْوَتِي لِأَنِّي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى شَيْءٍ يَخُصُّنِي فَهُمْ عِنْدَ مُلَاقَاتِي كَمَنْ يُلَاقُونَ رَبَّهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ. وَهَذَا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015