[سُورَة هود (11) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)

اسْتِئْنَافٌ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ هُنَا تَأْكِيدٌ ثَانٍ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ [هود: 18] .

وَالْمَوْصُولُ فِي الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ الْمَعْرُوفُ بِهَذِهِ الصِّلَةِ، أَيْ أَنْ بَلَغَكُمْ أَنَّ قَوْمًا خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمُ الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَخَسَارَةُ أَنْفُسِهِمْ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الِاهْتِدَاءِ، فَلَمَّا ضَلُّوا فَقَدْ خَسِرُوهَا.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [12] .

وَالضَّلَالُ: خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمَقْصُودِ.

وَمَا كانُوا يَفْتَرُونَ

مَا كَانُوا يَزْعُمُونَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ وَتَدْفَعُ عَنْهُمُ الضُّرَّ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ [الْأَحْقَاف: 28] .

وَفِي إِسْنَادِ الضَّلَالِ إِلَى الْأَصْنَامِ تَهَكُّمٌ عَلَى أَصْحَابِهَا. شُبِّهَتْ أَصْنَامُهُمْ بِمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لِيَلْحَقَ بِمَنِ اسْتَنْجَدَ بِهِ فَضَلَّ فِي طَرِيقِهِ.

وَجُمْلَةُ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ فَذْلَكَةٌ وَنَتِيجَةٌ لِلْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ [هود: 18] لِأَنَّ مَا جُمِعَ لَهُمْ مِنَ الزَّجِّ لِلْعُقُوبَةِ وَمِنِ افْتِضَاحِ أَمْرِهِمْ وَمِنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ اسْتِمَاعِ النُّذُرِ وَعَنِ النَّظَرِ فِي دَلَائِلَ الْوَحْدَانِيَّةِ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّهُمُ الْأَخْسَرُونَ فِي الْآخِرَة.

و (لَا جَرَمَ) كَلِمَةُ جَزْمٍ وَيَقِينٍ جَرَتْ مَجْرَى الْمَثَلِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ (جَرَمَ) مُشْتَقٌّ مِمَّا تُنُوسِيَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَرْكِيبِهَا، وَأَظْهَرُ أَقْوَالِهِمْ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015