وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِنَفْسِهِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الِاهْتِدَاءَ نِعْمَةٌ وَغِنًى وَأَنَّ الْإِعْرَاضَ ضُرٌّ عَلَى صَاحِبِهِ.

وَوَجْهُ الْإِتْيَانِ بِطَرِيقَتَيِ الْحَصْرِ فِي فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَفِي فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانُوا يَتَمَطَّوْنَ فِي الِاقْتِرَاحِ فَيَقُولُونَ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الْإِسْرَاء: 90] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمُنُّونَ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يَغِيظُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ فَكَانَ الْقَصْرُ مُفِيدًا أَنَّ اهْتِدَاءَهُ مَقْصُورٌ عَلَى تَعَلُّقِ اهْتِدَائِهِ بِمَعْنَى اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِنَفْسِهِ أَيْ بِفَائِدَةِ نَفْسِهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى التَّعَلُّقِ بِفَائِدَتِي. وَأَنَّ ضَلَالَهُ مَقْصُورٌ عَلَى التَّعَلُّقِ بِمَعْنَى عَلَى نَفْسِهِ، أَيْ لِمَضَرَّتْهَا لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى التَّعَلُّقِ بِمَضَرَّتِي.

وَجُمْلَةُ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَمَنِ اهْتَدى فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حَيِّزِ التَّفْرِيعِ، وَإِتْمَامٌ لِلْمُفَرَّعِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ اهْتِدَاءُ الْمُهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَضَلَالُ الضَّالِّ عَلَى نَفْسِهِ تَحَقَّقَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنَ اللَّهِ بِأَكْثَرَ مِنَ التَّبْلِيغِ وَأَنَّهُ لَا نَفْعَ لِنَفْسِهِ فِي اهْتِدَائِهِمْ وَلَا يَضُرُّهُ ضَلَالُهُمْ، فَلَا يَحْسَبُوا حِرْصَهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهَا حَتَّى يَتَمَطَّوْا وَيَشْتَرِطُوا، وَأَنَّهُ نَاصِحٌ لَهُمْ وَمُبَلِّغٌ مَا فِي اتِّبَاعِهِ خَيْرُهُمْ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ ضُرُّهُمْ.

وَالْإِتْيَانُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمَنْفِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى دَوَامِ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَثَبَاتِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ.

وَمَعْنَى الْوَكِيلِ: الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ تَحْصِيلُ الْأَمْرِ. وعَلَيْكُمْ بِمَعْنَى عَلَى اهْتِدَائِكُمْ فَدَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَى الذَّاتِ وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَحْوَالِهَا بِقَرِينَة الْمقَام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015