وَحُكِيَ قَوْلُهُمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هود: 38] لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ صُدُورِهِ مِنْهُمْ، وَأُطْلِقَ الْوَعْدُ عَلَى الْمَوْعُودِ بِهِ، فَالسُّؤَالُ عَنْهُ باسم الزَّمَان مؤول بِتَقْدِيرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ، أَيْ مَتَى ظُهُورُهُ.

وَالسُّؤَالُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِبْطَاءِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ اكْتِرَاثِهِمْ بِهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَأْبَهُونَ بِهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ بِحُصُولِهِ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّهُ وَاقِعٌ فَعَيِّنُوا لَنَا وَقْتَهُ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّنَا لَا نُصَدِّقُكَ حَتَّى نَرَى مَا وَعَدَتْنَا كِنَايَةً عَنِ اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ حُلُولِهِ وَأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِهِ. وَالْوَعْدُ الْمَذْكُورُ هُنَا مَا هُدِّدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا.

وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِمْ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرَّسُولِ، فَضَمِيرُ التَّعْظِيمِ لِلتَّهَكُّمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحجر: 6] وَقَوله: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الْفرْقَان: 7] وَقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنَانِيِّ:

يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ

وَهَذَا الْمَحْمَلُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِجَوَابِهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَمْلِكُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، جَمَعُوهُمْ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّ النَّبِيءَ أَخْبَرَ بِهِ وَالْمُسْلِمِينَ آمَنُوا بِهِ فَخَاطَبُوهُمْ بِذَلِكَ جَمِيعًا لِتَكْذِيبِ النَّبِيءِ وَإِدْخَالِ الشَّكِّ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ. وَإِنَّمَا خُصَّ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِالْأَمْرِ بِجَوَابِهِمْ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ بِالْوَعِيدِ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَتَابِعُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

وَمَعْنَى: لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً: لَا أَسْتَطِيعُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [76] .

وَقُدِّمَ الضَّرُّ عَلَى النَّفْعِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالْغَرَضِ لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا اسْتِبْطَاءَ مَا فِيهِ مَضَرَّتُهُمْ وَهُوَ الْوَعِيدُ وَلِأَنَّ اسْتِطَاعَةَ الضَّرِّ أَهْوَنُ مِنِ اسْتِطَاعَةِ النَّفْعِ فَيَكُونُ ذِكْرُ النَّفْعِ بَعْدَهُ ارْتِقَاءً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015