وَالْمُرَادُ بِـ (مَنْ لَا يَهِدِّي) الْأَصْنَامُ فَإِنَّهَا لَا تَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ- يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً

[مَرْيَم: 42] .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي فَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو- بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ- عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ يَهْتَدِي، أُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا لِتَقَارُبِ

مَخْرَجَيْهِمَا وَأُدْغِمَتْ فِي الدَّالِ وَنُقِلَتْ حَرَكَةُ التَّاءِ إِلَى الْهَاءِ السَّاكِنَةِ (وَلَا أَهَمِّيَّةَ إِلَى قِرَاءَةِ قَالُونَ عَنْ نَافِعٍ إِلَى قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو بِجَعْلِ فَتْحِ الْهَاءِ مُخْتَلَسًا بَيْنَ الْفَتْحِ وَالسُّكُونِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْأَدَاءِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا فِي الْقِرَاءَةِ) .

وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ- بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ- عَلَى اعْتِبَارِ طَرْحِ حَرَكَةِ التَّاءِ الْمُدْغَمَةِ وَاخْتِلَافِ كَسْرَةٍ عَلَى الْهَاءِ عَلَى أَصْلِ التَّخَلُّصِ مِنِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِم- بِكَسْر الْبَاء وَكَسْرِ الْهَاءِ- بِإِتْبَاعِ كَسْرَةِ الْيَاءِ لِكَسْرَةِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ- بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ- عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ هَدَى الْقَاصِرِ بِمَعْنَى اهْتَدَى، كَمَا يُقَالُ: شَرَى بِمَعْنَى اشْتَرَى.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يُهْدى تَهَكُّمٌ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ. وَأُرِيدَ بِالْهَدْيِ النَّقْلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ أَيْ لَا تَهْتَدِي إِلَى مَكَانٍ إِلَّا إِذَا نَقَلَهَا النَّاسُ وَوَضَعُوهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ لَهَا، فَيَكُونُ النَّقْلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ شُبِّهَ بِالسَّيْرِ فَشُبِّهَ الْمَنْقُولُ بِالسَّائِرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَرَمَزَ إِلَى ذَلِكَ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ السَّيْرِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ فِي لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى.

وَجَوَّزَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ إِلَّا أَنْ يُهْدى بِمَعْنَى إِهْدَاءِ الْعَرُوسِ، أَيْ نَقْلِهَا مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، فَيُقَالُ: هُدِيَتْ إِلَى زَوْجِهَا.

وَجُمْلَةُ: فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ تَفْرِيعُ اسْتِفْهَامٍ تَعْجِيبِيٍّ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي بِحَالٍ. وَاتِّبَاعُهُمْ هُوَ عِبَادَتهم إيَّاهُم.

فَما اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ، ولَكُمْ خَبَرٌ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ. وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لَكُمْ فَاتَّبَعْتُمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ نَقْلًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015