إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)
جَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِتَكُونَ أَحْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِلَّةً بِالذِّكْرِ غَيْرَ تَابِعَةٍ فِي اللَّفْظِ لِأَحْوَالِ الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِهَا مُقَابَلَةُ أَحْوَالِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِلِقَاءِ اللَّهِ بِأَضْدَادِهَا تنويها بِأَهْلِهَا وإغاضة لِلْكَافِرِينَ.
وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْمَوْصُولِيَّةِ هُنَا دُونَ اللَّامِ لِلْإِيمَاءِ بِالْمَوْصُولِ إِلَى عِلَّةِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهِيَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ وَعَمَلَهُمْ هُوَ سَبَبُ حُصُولِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ لَهُمْ.
وَالْهِدَايَةُ: الْإِرْشَادُ عَلَى الْمَقْصِدِ النَّافِعِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ. فَمَعْنَى يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ يُرْشِدُهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ. وَالْمَقْصُودُ الْإِرْشَادُ التَّكْوِينِيُّ، أَيْ يَخْلُقُ فِي نُفُوسِهِمُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ وَتَسْهِيلَ الْإِكْثَارِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْإِرْشَادُ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ بِالْقَوْلِ وَالتَّعْلِيمِ فَاللَّهُ يُخَاطِبُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ.
وَالْبَاءُ فِي بِإِيمانِهِمْ لِلسَّبَبِيَّةِ، بِحَيْثُ إِنَّ الْإِيمَانَ يَكُونُ سَبَبًا فِي مَضْمُونِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ فَتَكُونُ الْبَاءُ لِتَأْكِيدِ السَّبَبِيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنَ التَّعْرِيفِ بِالْمَوْصُولِيَّةِ نَظِيرَ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا إِلَى بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يُونُس: 7، 8] فِي تَكْوِينِ هِدَايَتِهِمْ إِلَى الْخَيْرَاتِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ نُورًا يُوضَعُ فِي عَقْلِ الْمُؤْمِنِ وَلِذَلِكَ النُّورِ أَشِعَّةٌ نُورَانِيَّةٌ تَتَّصِلُ بَيْنَ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ عَوَالِمِ الْقُدْسِ فَتَكُونُ سَبَبًا مِغْنَاطِيسِيًّا لِانْفِعَالِ النَّفْسِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْكَمَالِ لَا يَزَالُ يَزْدَادُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلِذَلِكَ يَقْتَرِبُ مِنَ الْإِدْرَاكِ الصَّحِيحِ الْمَحْفُوظِ مِنَ الضَّلَالِ بِمِقْدَارِ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَدْ يَكُونُ
فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ»
(?) . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ