وَهَذَا الْحَالُ الْمُسْتَقِرُّ فِي نُفُوسِ الْمُشْرِكِينَ مُتَفَاوِتُ الْقُوَّةِ، وَبِمِقْدَارِ تَفَاوُتِهِ وَبُلُوغِهِ نِهَايَتَهُ تَكُونُ مُدَّةُ دَوَامِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى أَجَلِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ فِي نُفُوسِهِمْ وَكَانَ انْتِهَاؤُهُ قَبْلَ انْتِهَاءِ أَجَلِ الْحَيَاةِ اسْتَطَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُمُ الِانْتِفَاعَ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ فَاهْتَدَى، وَعَلَى ذَلِكَ حَالُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ التَّرَيُّثِ عَلَى الْكُفْرِ زَمَنًا مُتَفَاوِتَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ.

وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ عَطْفُ جُمْلَةِ: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا عَلَى جُمْلَةِ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ بِمَقْصُودٍ مِنْهُ تَفَرُّعُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى تَفَرُّعَ الْقَضَايَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي تَرْكِيبِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِيءُ فِي الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ وَلَا أَنَّهُ مِنْ تَفْرِيعِ النَّتِيجَةِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ لِأَنَّ تَفْرِيعَ الْأَقْيِسَةِ بِتِلْكَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي تُشْبِهُ التَّفْرِيعَ بِالْفَاءِ لَيْسَ أُسْلُوبًا عَرَبِيًّا، فَالْجُمْلَتَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ عَنِ الْأُخْرَى، وَلَا تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا مُنَاسَبَةُ الْمَعْنَى وَالْغَرَضِ، فَلَيْسَ اقْتِرَانُ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ اقْتِرَانِ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً لَكَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا، وَلَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَدَرَجَتِ الدَّوَاجِنُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَنْتِجُ: لَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً لَدَرَجَتِ الدَّوَاجِنُ، بِوَاسِطَةِ تَدَرُّجِ اللُّزُومَاتِ فِي ذِهْنِ الْمَحْجُوجِ تَقْرِيبًا لِفَهْمِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِنَتِيجَةٍ ثُمَّ جَعْلِ تِلْكَ النَّتِيجَةِ الْحَاصِلَةِ مُقَدِّمَةَ قِيَاسٍ ثَانٍ فَتُطْوَى النَّتِيجَةُ لِظُهُورِهَا اخْتِصَارًا، وَهَذَا لَيْسَ بِأُسْلُوبٍ عَرَبِيٍّ إِنَّمَا الْأُسْلُوبُ الْعَرَبِيُّ فِي إِقَامَةِ الدَّلِيلِ بِالشَّرْطِيَّةِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مُقَدَّمٍ وَتَالٍ، ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِنْتَاجِ بِذَكَرِ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ كَقَوْلِ أُبَيِّ بْنِ سُلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ يَصِفُ فَرَسَهُ:

وَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ

وَقَوْلِ الْمَعَرِّي:

وَلَوْ دَامَتِ الدَّوْلَاتُ كَانُوا كَغَيْرِهِمْ ... رَعَايَا وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامُ

أَوْ بِذَكَرِ مُسَاوِي نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ كَقَوْلِ عَمْرو بن معديكرب:

فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي رِمَاحُهُمْ ... نَطَقْتُ وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ أَجَرَّتِ

فَإِنَّ إِجْرَارَ اللِّسَانِ يَمْنَعُ نُطْقَهُ، فَكَانَ فِي مَعْنَى وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ تُنْطِقُنِي. وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ يَسْتَغْنُونَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ لِظُهُورِ الِاسْتِنْتَاجِ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015