وَالْبَصَائِرُ جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ مَا بِهِ اتِّضَاحُ الْحَقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [104] ، وَهَذَا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ خَيْرٌ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يَسْأَلُونَهَا، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ بِوَاسِطَةِ دَلَالَةِ الْإِعْجَازِ وَصُدُورِهِ عَنِ الْأُمِّيِّ، وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ، وَالْبَقَاءِ عَلَى الْعُصُورِ.

وَإِنَّمَا جَمَعَ «الْبَصَائِرَ» لِأَنَّ الْقُرْآنِ أَنْوَاعًا مِنَ الْهُدَى عَلَى حَسَبِ النَّوَاحِي الَّتِي يَهْدِي إِلَيْهَا، مِنْ تَنْوِيرِ الْعَقْلِ فِي إِصْلَاحِ الِاعْتِقَادِ، وَتَسْدِيدِ الْفَهْمِ فِي الدِّينِ، وَوَضْعِ الْقَوَانِينِ لِلْمُعَامَلَاتِ وَالْمُعَاشَرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَى طُرُقِ النَّجَاحِ وَالنَّجَاةِ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَهَاوِي الْخُسْرَانِ.

وَأَفْرَدَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةَ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ عَامَّانِ يَشْمَلَانِ أَنْوَاعَ الْبَصَائِرِ فَالْهُدَى يُقَارِنُ الْبَصَائِرَ وَالرَّحْمَةُ غَايَةٌ لِلْبَصَائِرِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ مَا يَشْمَلُ رَحْمَةَ الدُّنْيَا وَهِيَ اسْتِقَامَةُ أَحْوَالِ الْجَمَاعَةِ وَانْتِظَامُ الْمَدَنِيَّةِ وَرَحْمَةَ الْآخِرَةِ وَهِيَ الْفَوْزُ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [النَّحْل: 97] .

وَقَوْلُهُ: مِنْ رَبِّكُمْ تَرْغِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَخْوِيفٌ لِلْكَافِرِينَ.

ولِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يتنازعه (بصائر) و (هدى) و (رَحْمَة) لِأَنَّهُ إِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَالْمَعْنَى هَذَا بَصَائِرُ لَكُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خَاصَّةً إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَأَنَّهُمْ لَهَوْا عَنْ هَدْيِهِ بِطَلَبِ خوارق الْعَادَات.

[204]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 204]

وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)

يُؤْذِنُ الْعَطْفُ بِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَمِعُوا- وأَنْصِتُوا وَفِي قَوْلِهِ:

لَعَلَّكُمْ تَابِعٌ لِلْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الْأَعْرَاف: 203] إِلَخْ، فَقَوْلُهُ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَذَلِكَ إِعَادَةُ تَذْكِيرٍ لِلْمُشْرِكِينَ تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا بِأَنْ لَا يُعْرِضُوا عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَبِأَنْ يَتَأَمَّلُوهُ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَنَّهُ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ، لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يُعَانِدُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاهَوْنَ عَنِ الْإِنْصَاتِ إِلَى الْقُرْآنِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015