فَالسَّائِلُونَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة

النازعات [42] يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها- وَقَوْلِهِ- عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ: 1- 3] يَعْنِي الْبَعْثَ وَالسَّاعَةَ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ:

الْمَعْنِيُّ بِالسَّائِلِينَ الْيَهُودُ أَرَادُوا امْتِحَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، قِيلَ كُلُّهَا، وَقِيلَ إِنَّ آيَتَيْنِ مِنْهَا نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ الْآيَةَ، فِيمَا اخْتُلِفَ فِي مَكَانِ نُزُولِهِ وَالسُّوَرُ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ مَكِّيَّةٌ أَيْضًا نَازِلَةٌ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَالسَّاعَةُ مُعَرَّفَةٌ بِاللَّامِ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ عَلَى وَقْتِ فَنَاءِ هَذَا الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ وَالدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ، وَتُسَمَّى: يَوْمَ الْبَعْثِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وأَيَّانَ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الزَّمَانِ وَهُوَ جَامِدٌ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ مُرَكَّبٌ مِنْ (أَيِّ) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَ (آنَ) وَهُوَ الْوَقْتُ، ثُمَّ خُفِّفَتْ (أَيُّ) وَقُلِبَتْ هَمْزَةُ (آنَ) يَاءً لِيَتَأَتَّى الْإِدْغَامُ، فَصَارَتْ (أَيَّانَ) بِمَعْنَى أَيُّ زَمَانٍ، وَيَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ بِمَا بَعْدَ (أَيَّانَ) ، وَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَعْنًى لَا اسْمَ ذَاتٍ، إِذْ لَا يُخْبَرُ بِالزَّمَانِ عَنِ الذَّاتِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا اسْمَ شَرْطٍ لِعُمُومِ الْأَزْمِنَةِ فَذَلِكَ بِالنَّقْلِ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ إِلَى الشَّرْطِ كَمَا نُقِلَتْ (مَتَى) مِنْ الِاسْتِفْهَامِ إِلَى الشَّرْطِيَّةِ، وَهِيَ تَوْسِيعَاتٌ فِي اللُّغَةِ تَصِيرُ مَعَانِيَ مُتَجَدِّدَةً، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اشْتِقَاقِ (أَيَّانَ) احْتِمَالَاتٍ يَرْجِعُونَ بِهَا إِلَى مَعَانِي أَفْعَالٍ، وَكُلُّهَا غَيْرُ مَرَضِيَّةٍ، وَمَا ارْتَأَيْنَاهُ هُنَا أَحْسَنُ مِنْهَا.

فَقَوْلُهُ: أَيَّانَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِصَدَارَةِ الِاسْتِفْهَامِ، ومُرْساها مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُضَافٌ إِلَيْهِ آنَ الْأَصْلُ أَيُّ (آنٍ) آنُ مَرْسَى السَّاعَةِ.

وَجُمْلَةُ: أَيَّانَ مُرْساها فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ فعل يَسْئَلُونَكَ وَالتَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، وَهُوَ حِكَايَةٌ لِقَوْلِهِمْ بِالْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى الْبَدَلِ عَن جملَة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ.

وَالْمَرْسَى مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنَ الْإِرْسَاءِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ يُقَالُ رَسَا الْجَبَلُ ثَبَتَ، وَأَرْسَاهُ أَثْبَتَهُ وَأَقَرَّهُ، وَالْإِرْسَاءُ الِاسْتِقْرَارُ بَعْدَ السَّيْرِ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015