فِي قَوْلِهِ: بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَوْضِعَ الْعِبْرَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ هُوَ التَّوَقِّي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَخَوْفُ بَطْشِهِ، وَمَقَامُ الرُّسُلِ مِنَ الْخَشْيَةِ، وَدُعَاءُ مُوسَى، إِلَخْ.

وَقَدْ صِيغَ نَظْمُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ عَلَى نَحْوِ مَا صِيغَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً [الْأَعْرَاف: 150] كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْأَخْذُ مَجَازٌ فِي الْإِصَابَةِ الشَّدِيدَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ تَمَكُّنَ الْآخِذِ مِنَ الْمَأْخُوذِ.

وَ (لَوْ) فِي قَوْلِهِ: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّمَنِّي وَهُوَ معنى مجازي ناشىء مِنْ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى (لَوِ) الْأَصْلِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَثَلِ (لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي) إِذْ تَقْدِيرُ الْجَوَابِ. لَوْ لَطَمَتْنِي لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ، وَقَدْ صُرِّحَ بِالْجَوَابِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ أَيْ لَيْتَكَ أَرَدْتَ إِهْلَاكَهُمْ أَيِ السَبْعِينَ الَّذِينَ مَعَهُ. فَجُمْلَةُ أَهْلَكْتَهُمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ شِئْتَ مِنْ قِبَلِ خَطِيئَةِ الْقَوْمِ الَّتِي تَسَبَّبَ عَنْهَا الرُّجُوعُ إِلَى الْمُنَاجَاةِ.

وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي (لَوْ) لَا يَكُونُ، فِي قَوْلِهِ أَهْلَكْتَهُمْ حَذْفُ اللَّامِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَقْتَرِنَ بِجَوَابِ (لَوْ) وَإِنَّمَا قَالَ: أَهْلَكْتَهُمْ وَإِيَّايَ وَلَمْ يَقُلْ: أَهْلَكْتَنَا، لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِهْلَاكَيْنِ لِأَنَّ إِهْلَاكَ السَبْعِينَ لِأَجْلِ سُكُوتِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَإِهْلَاكَ مُوسَى، قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ أَنْ لَا يَشْهَدَ هَلَاكَ الْقَوْمِ، قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نجينا هُوداً [هود: 58] الْآيَةَ وَنَظَائِرُهَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ خَشِيَ مُوسَى أَنَّ اللَّهَ يُهْلِكُ جَمِيعَ الْقَوْمِ بِتِلْكَ الرَّجْفَةِ لِأَنَّ سَائِرَ الْقَوْمِ أَجْدَرُ بِالْإِهْلَاكِ مِنَ السَّبْعِينَ، وَقَدْ أَشَارَتِ التَّوْرَاةُ إِلَى هَذَا فِي الْإِصْحَاحِ «فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى اللَّهِ وَقَالَ أَنَّ الشَّعْبَ قَدْ أَخْطَأَ خَطِيئَةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً فَإِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ خَطِيئَتَهُمْ وَإِلَّا فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ. فَقَالَ اللَّهُ لِمُوسَى مَنْ أَخْطَأْ إِلَيَّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي» فَالْمَحْوُ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ مَحْوُ تَقْدِيرِ اللَّهِ لَهُ الْحَيَاةَ مَحْوَ غَضَبٍ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وَقَدْ خَشِيَ مُوسَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الرَّجْفَةُ أَمَارَةَ غَضَبٍ وَمُقَدِّمَةَ إِهْلَاكٍ عُقُوبَةً عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا فَالسُّفَهَاءُ هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَسُمِّيَ شِرْكُهُمْ سَفَهًا لِأَنَّهُ شِرْكٌ مَشُوبٌ بِخِسَّةِ عَقْلٍ إِذْ جَعَلُوا صُورَةً صَنَعُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ إِلَهًا لَهُمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015