يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ، وَلِذَلِكَ حِينَ يَدْعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالسُّوءِ يَقُولُونَ: «شُلَّتْ مِنْ يَدَيَّ الْأَنَامِلُ» ، وَهِيَ آلَةُ الْقُدْرَةِ قَالَ تَعَالَى: ذَا الْأَيْدِ [ص: 17] ، وَيُقَالُ: مَا لِي بِذَلِكَ يَدٌ، أَوْ مَا لِي بِذَلِكَ يَدَانِ أَيْ لَا أَسْتَطِيعُهُ، وَالْمَرْءُ إِذَا حَصَلَ لَهُ شَلَلٌ فِي عَضُدٍ وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيكَهُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: سُقِطَ فِي يَدِهِ سَاقِطٌ، أَيْ نَزَلَ بِهِ نَازِلٌ.

وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ فَاعِلِ السُّقُوطِ الْمَجْهُولِ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ مُشْتَقًّا مِنْ فِعْلِهِ، سَاغَ أَنْ يُبْنَى فِعْلُهُ لِلْمَجْهُولِ فَمَعْنَى «سُقِطَ فِي يَدِهِ» سَقَطَ فِي يَدِهِ سَاقِطٌ فَأَبْطَلَ حَرَكَةَ يَدِهِ، إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّ حَرَكَةَ يَدِهِ تَعَطَّلَتْ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ، إِلَّا بِأَنَّهُ شَيْءٌ دَخَلَ فِي يَدِهِ فَصَيَّرَهَا عَاجِزَةً عَنِ الْعَمَلِ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ كَونه قد فجأه مَا أَوْجَبَ حَيْرَتَهُ فِي أَمْرِهِ، كَمَا يُقَالُ: فَتَّ فِي سَاعِدِهِ.

وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الْآيَةِ فِي مَعْنَى النَّدَمِ وَتَبَيُّنِ الْخَطَأِ لَهُمْ، فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ بِحَالِ مَنْ سُقِطَ فِي يَدِهِ حِينَ الْعَمَلِ. فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ تبين لَهُم خطأهم وَسُوءُ مُعَامَلَتِهِمْ رَبَّهُمْ وَنَبِيَّهُمْ، فَالنَّدَامَةُ هِيَ مَعْنَى التَّرْكِيبِ كُلِّهِ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهِيَ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الْمُرَكَّبِ وَهُوَ سُقِطَ فِي الْيَدِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ «وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سِرَاجٍ (?) » أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَوْلُ الْعَرَبِ:

سُقِطَ فِي يَدِهِ مِمَّا أَعْيَانِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ هُوَ نَظْمٌ لَمْ يُسْمَعْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ.

قُلْتُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْفَصْلُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، فَقَوْلُ ابْنِ سِرَاجٍ: قَوْلُ الْعَرَبِ سُقِطَ فِي يَدِهِ، لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْعَرَبَ الَّذِينَ بَعْدَ الْقُرْآنِ.

وَالْمَعْنَى لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَيْهِمْ وَهَدَّدَهُمْ وَأَحْرَقَ الْعِجْلَ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ طه،

وَأُوجِزَ هُنَا إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ مَا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ ضَلُّوا بَعْدَ تَصْمِيمِهِمْ وَتَصَلُّبِهِمْ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَقَوْلِهِمْ: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ [طه: 91] ، إِلَّا بِسَبَبِ حَادِثٍ حَدَثَ يَنْكَشِفُ لَهُمْ بِسَبَبِهِ ضَلَالُهُمْ، فَطَيُّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْإِيجَازِ لِيُبْنَى عَلَيْهِ أَنَّ ضَلَالَهُمْ لَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَ لَهُمْ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ بِهَذَا حِكَايَةُ اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ لِلْمُبَادَرَةِ بِبَيَانِ انْكِشَافِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015