وَبِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ظَلَمُوا بِنَكْثِ الْعَهْدِ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ [الْأَعْرَاف: 37] وَتَوَعَّدَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ أَحْوَالَ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَعَقِبُ ذَلِكَ عَادَ إِلَى ذِكْرِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ [الْأَعْرَاف: 52] وَأَنْهَاهُ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ [الْأَعْرَاف: 53] .

فَلَا جَرَمَ تَهَيَّأَتِ الْأَسْمَاعُ وَالْقُلُوبُ لِتَلَقِّي الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ، ثُمَّ لِبَيَانِ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَمَجْدِهِ فَلِذَلِكَ اسْتُؤْنِفَ بِجُمْلَةِ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الْآيَةَ، اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا عَادَ بِهِ التَّذْكِيرُ إِلَى صَدْرِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الْأَعْرَاف: 3] ، فَكَانَ مَا فِي صَدْرِ السُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَطْلُوبِ الْمَنْطِقِيِّ، وَكَانَ مَا بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْهَانِ، وَكَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ لِلْبُرْهَانِ، وَالنَّتِيجَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْمَطْلُوبِ إِلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ أَوْضَحَ وَأَشَدَّ تَفْصِيلًا.

فَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ابْتِدَاءً، وَلِذَلِكَ كَانَ لِلتَّأْكِيدِ بِحَرْفِ (إِنَّ) مَوْقِعُهُ لِرَدِّ إِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ انْفِرَادَ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ. وَإِذْ كَانَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ يَزِيدُ الْمُسْلِمِينَ بَصِيرَةً بِعِظَمِ مَجْدِ اللَّهِ وَسِعَةِ مُلْكِهِ، وَيَزِيدُهُمْ ذِكْرَى بِدَلَائِلِ قُدْرَتِهِ، كَانَ الْخِطَابُ صَالِحًا لِتَنَاوُلِ الْمُسْلِمِينَ، لِصَلَاحِيَةِ ضَمِيرِ الْخِطَابِ لِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ حَرْفُ (إِنَّ) بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ سُدًى، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِالْخَبَرِ، لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْفَرِيقَيْنِ، وَلِأَنَّ بَعْضَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ (مَا) هُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ أَعْلَقُ مِثْلُ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الْأَعْرَاف: 55] وَقَوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الْأَعْرَاف: 56] وَبَعْضُهُ بِالْكَافِرِينَ أَنْسَبُ مِثْلُ قَوْلِهِ: كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الْأَعْرَاف: 57] .

وَقَدْ جُعِلَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ الرَّبَّ، وَالْخَبَرُ اسْمَ الْجَلَالَةِ: لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّبَّ لَكُمُ الْمَعْلُومُ عِنْدَكُمْ هُوَ الَّذِي اسْمُهُ الدَّالُّ عَلَى ذَاتِهِ: اللَّهُ، لَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015