وَاللَّذَانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما [النِّسَاء: 16] وَقَدْ جُعِلَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً- إِلَى قَوْلِهِ- وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ آيَةً وَاحِدَةً فِي تَرْقِيمِ أَعْدَادِ آيِ الْمَصَاحِفِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ.

فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ.

اعْتِرَاضٌ حُكِيَ بِهِ كَلَامٌ يُعْلَنُ بِهِ، مِنْ جَانِبٍ اللَّهِ تَعَالَى، يَسْمَعُهُ الْفَرِيقَانِ. وَتَغْيِيرُ أُسْلُوبِ الْكَلَامِ هُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهَذَا الْأَلْيَقُ بِمَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ جَعْلِ قَوْلِهِ:

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً إِلَى آخِرِهِ حِكَايَةً لِكَلَامِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ.

وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً الْآيَةَ، وَهَذَا الْعَطْفُ بِالْفَاءِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسَمَّى بِعَطْفِ التَّلْقِينِ الْمُمَثَّلِ لَهُ غَالِبًا بِمَعْطُوفٍ بِالْوَاوِ فَهُوَ عَطْفُ كَلَامِ. مُتَكَلِّمٍ عَلَى كَلَامِ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: قَالَ اللَّهُ فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ، فَحَذَفَ فِعْلَ الْقَوْلِ، وَهَذَا تَصْدِيقٌ لِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلُوا قَوْلَهُ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ

الْفَاءُ عِنْدَهُمْ تَفْرِيعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ.

وَالنِّسْيَانُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي الْإِهْمَالِ وَالتَّرْكِ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ النِّسْيَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي الدُّنْيَا نَاسِينَ لِقَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَدْ كَانُوا يَذْكُرُونَهُ وَيَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ حَدِيثَ مَنْ لَا يُصَدِّقُ بِوُقُوعِهِ.

وَتَعْلِيقُ الظَّرْفِ بِفِعْلِ: نَنْساهُمْ لِإِظْهَارِ أَنَّ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ كَانَ فِي أَشَدِّ أَوْقَاتِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهَا. فَكَانَ لِذِكْرِ الْيَوْمِ أَثَرٌ فِي إِثَارَةِ تَحَسُّرِهِمْ وَنَدَامَتِهِمْ، وَذَلِكَ عَذَابٌ نَفْسَانِيٌّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015