رَحْمَةِ اللَّهِ، زِيَادَةً فِي التَّأْيِيسِ لَهُمْ، أَوْ دُعَاءً عَلَيْهِمْ بِزِيَادَةِ الْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ، بِتَضْعِيفِ الْعَذَابِ أَوْ تَحْقِيقِ الْخُلُودِ، وَوُقُوعُ هَذَا التَّأْذِينِ عَقِبَ الْمُحَاوَرَةِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّالِمِينَ، وَمَا تَبِعَهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ تَفْظِيعُ حَالِهِمْ، وَالنِّدَاءُ عَلَى خُبْثِ نُفُوسِهِمْ، وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَقُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ- بِتَخْفِيفِ نُونِ (أَنَّ) - عَلَى أَنَّهَا تَفْسِيرِيَّةٌ لِفِعْلِ (أَذَّنَ) وَرَفْعِ (لَعْنَةُ) عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ تَفْسِيرِيَّةٌ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِنَصْبِ (لَعْنَةُ) عَلَى (أَنَّ) الْجُمْلَةَ مَفْعُولُ (أَذَّنَ) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: قَائِلًا أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِالظَّالِمِينَ تَعْرِيفٌ لَهُمْ بِوَصْفٍ جَرَى مَجْرَى اللَّقَبِ تُعْرَفُ بِهِ جَمَاعَتُهُمْ، كَمَا يُقَالُ: الْمُؤْمِنِينَ، لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ حِينَ وُصِفُوا بِهِ لَمْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بُطْلَانَ الشِّرْكِ حَقَّ الْعِلْمِ وَشَأْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمَاضِي، وَأَمَّا إِجْرَاءُ الصِّلَةِ عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلَيْنِ الْمُضَارِعَيْنِ فِي قَوْلِهِ: يَصُدُّونَ وَقَوْلِهِ: وَيَبْغُونَها وَشَأْنُ الْمُضَارِعِ الدَّلَالَةُ عَلَى حَدَثٍ حَاصِلٍ فِي زَمَنِ الْحَالِ، وَهُمْ فِي زَمَنِ التَّأْذِينِ لَمْ يَكُونُوا مُتَّصِفِينَ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا بِبَغْيِ عِوَجِ السَّبِيلِ، فَذَلِكَ لِقَصْدِ مَا يُفِيدُهُ الْمُضَارِعُ مِنْ تَكَرُّرِ حُصُولِ الْفِعْلِ تَبَعًا لِمَعْنَى التَّجَدُّدِ، وَالْمَعْنَى وَصْفُهُمْ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي اسْتِحْضَارُ الْحَالَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِكَايَةِ عَنْ نُوحٍ: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هود: 38] مَعَ أَنَّ زَمَنَ صُنْعِ الْفُلْكِ مَضَى، وَإِنَّمَا قُصِدَ اسْتِحْضَارُ حَالَةِ التَّجَدُّدِ، وَكَذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ فَإِنَّ حَقَّهُ الدَّلَالَةُ عَلَى زَمَنِ الْحَالِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْمَاضِي: أَيْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ فِيمَا مَضَى مِنْ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَكُلُّ ذَلِكَ اعْتِمَادٌ عَلَى قَرِينَةِ حَالِ السَّامِعِينَ الْمَانِعَةِ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مِنْ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ سَامِعٍ أَنَّ الْمَقْصُودِينَ صَارُوا غَيْرَ مُتَلَبِّسِينَ بِتِلْكَ الْأَحْدَاثِ فِي وَقْتِ التَّأْذِينِ، بَلْ تَلَبَّسُوا بِنَقَائِضِهَا، فَإِنَّهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015