يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، مُخَاطِبًا بِهِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَذُوقُوا لِلتَّكْوِينِ وَالْإِهَانَةِ.

وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ مُحَاوَرَةِ قَادَةِ الْأُمَمِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَا فِيهِ مَوْعِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ لِقَادَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْإِيقَاعِ بِأَتْبَاعِهِمْ فِيمَا يَزُجُّ بِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ، وَيُحَسِّنُ لَهُمْ هَوَاهُمْ، وَمَوْعِظَةٌ لِعَامَّتِهِمْ مِنَ الِاسْتِرْسَالِ فِي تَأْيِيدِ مَنْ يُشَايِعُ هَوَاهُمْ، وَلَا يُبَلِّغُهُمُ النَّصِيحَةَ،

وَفِي الْحَدِيثِ: «كُلُّكُمْ رَاع وكلّكم مسؤول عَن رعيّته»

. [40، 41]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مَسُوقٌ لِتَحْقِيقِ خُلُودِ الْفَرِيقَيْنِ فِي النَّارِ، الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: 36] فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ حَرَمَهُمْ أَسْبَابَ النَّجَاةِ، فَسَدَّ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَبِأَنَّهُ حَرَمَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ.

وَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِ إِنَّ لِتَأْيِيسِهِمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْخُلُودِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ الْكِنَايَةَ عَنْ طُولِ مُدَّةِ الْبَقَاءِ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015