أَرْوَاحِهِمْ إِكْمَالًا لِذِكْرِ حَالِ مَصِيرِهِمْ، وَتَخَلُّصًا إِلَى وَصْفِ مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَلِذِكْرِ أَحْوَالِ غَيْرِهِمْ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْإِتْيَانُ بِفِعْلِ الْقَوْلِ، بِصِيغَةِ الْمَاضِي: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ فِي مَوْضِعِ عَطْفِ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أَيْ: قَالَ اللَّهُ فِيمَا كَتَبَهُ لَهُمُ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْأَعْرَاف: 34] أَيْ أَمْثَالِكُمْ، وَالتَّعْبِيرُ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ جَرَى عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ.
وَالْأُمَمُ جَمْعُ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ.
وَ (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي أُمَمٍ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، وَهِيَ كَوْنُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَحُكْمٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ دَخَلُوا النَّارَ فِي وَسَطِهِمْ أَمْ دَخَلُوا قَبْلَهُمْ أَوْ بَعْدَهُمْ، وَهِيَ بِمَعْنَى (مَعَ) فِي تَفْسِيرِ الْمَعْنَى، وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» أَنَّهُ نَظَّرَ (فِي) الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِفِي الَّتِي فِي قَوْلِ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ:
إِنْ تَكُنْ عَنْ حُسْنِ الصَّنِيعَةِ مَأْفُو ... كَا فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا
وَمَعْنَى: قَدْ خَلَتْ قَدْ مَضَتْ وَانْقَرَضَتْ قَبْلَكُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [134] ، يَعْنِي: أَنَّ حَالَهُمْ كَحَالِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ قَبْلَهُمْ، وَهَذَا تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمَا حَاقَ بِأُولَئِكَ الْأُمَمِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ [إِبْرَاهِيم: 45] وَتَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وَتَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي عَذَابِ النَّارِ سَوَاءٌ.
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ