وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْفَرِيقِ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَ بهَا محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا [الْأَعْرَاف: 28] .

وَ (أَوْ) ظَاهِرُهَا التَّقْسِيمُ فَيَكُونُ الْأَظْلَمُ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٌ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَهُمْ سَادَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَكُبَرَاؤُهُمْ، الَّذِينَ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَنَسَبُوهُ إِلَى اللَّهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، وَأَبِي كَبْشَةَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا، وَأَكْثَرُ هَذَا الْفَرِيقِ قَدِ انْقَرَضُوا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَفَرِيقٌ كَذَّبُوا بِآيَاتٍ وَلَمْ يَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ وَهُمْ عَامَّةُ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَا أَظْلَمَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الظُّلْمِ وَلَيْسَ أَظْلَمَ مِنْهُ، فَأَمَّا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِمَّنْ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ شَرَعُوا لِلْمُشْرِكِينَ أُمُورًا مِنَ الضَّلَالَاتِ، وكذّبوا محمّدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ أَشَدُّ ظُلْمًا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا لَا يَخْلُونَ عَنِ الِانْتِسَابِ إِلَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ وَجَامِعِينَ لِلْخَصْلَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ كَوْنِهِمْ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِينَ هُمْ أَظْلَمُ النَّاسِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [الْأَنْعَام: 93] ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ هُوَ أَظْلَمُ مِنْ كُلِّ مَنِ انْفَرَدَ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ لَهُ زِيَادَةً فِي الْأَظْلَمِيَّةِ، لِأَنَّ كُلَّ شِدَّةِ وَصْفٍ قَابِلَةٌ لِلزِّيَادَةِ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ (أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ، فَيَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ أَظْلَمُ النَّاسِ هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْأَمْرَيْنِ الْكَذِبِ وَالتَّكْذِيبِ، وَيَكُونُ صَادِقًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ جَمَاعَتَهُمْ لَا تَخْلُو عَن ذَلِك.

شَيْء بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ أَحْرِيَاءُ بِأَنْ يُصِيبَهُمُ الْعَذَابُ بِنَاءً عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015