أَنَّهُ أَجَلُ مَجْمُوعِهَا لَا أَفْرَادِهَا، وَلَوْ أُرِيدَ آجَالُ الْأَفْرَادِ لَقَالَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لِكُلِّ حَيٍّ أَجَلٌ.
وَإِذا ظَرْفُ زَمَانٍ لِلْمُسْتَقْبَلِ فِي الْغَالِبِ، وَتَتَضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا، لِأَنَّ مَعَانِيَ الظُّرُوفِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَعَانِي الشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيقِ، وَقَدِ اسْتُغْنِيَ بِفَاءِ تَفْرِيعِ عَامِلِ الظَّرْفِ هُنَا عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ (إِذَا) لِظُهُورِ مَعْنَى الرَّبْطِ وَالتَّعْلِيقِ بِمَجْمُوعِ الظَّرْفِيَّةِ وَالتَّفْرِيعِ، وَالْمُفَرَّعُ هُوَ: جاءَ أَجَلُهُمْ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِيَتَأَكَّدَ بِذَلِكَ التَّقْدِيمِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ. وَالْمَجِيءُ مَجَازٌ فِي الْحُلُولِ الْمُقَدَّرِ لَهُ كَقَوْلِهِمْ جَاءَ الشِّتَاءُ.
وَإِفْرَادُ الْأَجَلِ فِي قَوْله: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ مُرَاعًى فِيهِ الْجِنْسُ، الصَّادِقُ بِالْكَثِيرِ،
بِقَرِينَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمْعِ.
وَأُظْهِرَ لَفْظُ أَجَلٍ فِي قَوْله: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ وَلَمْ يُكْتَفَ بِضَمِيرِهِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلِتَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا غير متوقّفة عَن سَمَاعِ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا بِحَيْثُ تَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ، وَإِرْسَالُ الْكَلَامِ الصَّالِحِ لِأَنْ يَكُونَ مَثَلًا طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ.
ويَسْتَأْخِرُونَ: ويَسْتَقْدِمُونَ بِمَعْنَى: يَتَأَخَّرُونَ وَيَتَقَدَّمُونَ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِمَا لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ اسْتَجَابَ.
وَالْمَعْنَى: إِنَّهُمْ لَا يَتَجَاوَزُونَهُ بِتَأْخِيرٍ وَلَا يَتَعَجَّلُونَهُ بِتَقْدِيمٍ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخَّرُونَ عَنْهُ، فَعَطْفُ وَلا يَسْتَقْدِمُونَ لِبَيَانِ أَنَّ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ وَصَرْفِهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: وَلا يَسْتَقْدِمُونَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَرَضِ التَّهْدِيدِ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَبِي الشِّيصِ:
وَقَفَ الْهَوَى بِي حَيْثُ أَنْتِ فَلَيْسَ لِي ... مُتَأَخَّرٌ عَنْهُ وَلَا مُتَقَدَّمُ