وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بالْخبر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ وَعْدًا لَهُ بِالنَّصْرِ عَلَى مُكَذِّبِيهِ، وَإِعْلَامًا لَهُ بِأَنَّ سُنَّتَهُ سُنَّةُ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ بِطَرِيقَةِ جَعْلِ سُنَّةِ أُمَّتِهِ كَسُنَّةِ غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ.

وَذِكْرُ عُمُومِ الْأُمَمِ فِي هَذَا الْوَعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، إِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ بِتَقْرِيبِ حُصُولِهِ كَمَا حَصَلَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِشْهَادِ بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ فِي قِيَاسِ الْحَاضِرِ عَلَى الْمَاضِي فَيَكُونُ الْوَعِيدُ خَبَرًا مَعْضُودًا بِالدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمرَان: 137] أَيْ: مَا أَنْتُمْ إِلَّا أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجْلٌ فَأَنْتُمْ لَكُمْ أَجْلٌ سَيَحِينُ حِينُهُ.

وَذِكْرُ الْأَجَلِ هُنَا، دُونَ أَنْ يَقُولَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَذَابٌ أَوِ اسْتِئْصَالٌ، إِيقَاظًا لِعُقُولِهِمْ مِنْ أَنْ يَغُرَّهُمُ الْإِمْهَالُ فَيَحْسَبُوا أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُؤَاخِذِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ، كَمَا قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: 32] ، وَطَمْأَنَةً لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ جَرْيٌ عَلَى عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِمْهَالِ الظَّالِمِينَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا [يُوسُف: 110]- وَقَوْلِهِ- لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ [آل عمرَان: 196، 197] .

وَمَعْنَى: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ لِكُلِّ أُمَّةٍ مُكَذِّبَةٍ إِمْهَالٌ فَحُذِفَ وَصْفُ أُمَّةٍ أَيْ: مُكَذِّبَةٍ.

وَجُعِلَ لِذَلِكَ الزَّمَانِ نِهَايَةٌ وَهِيَ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِانْقِضَاءِ الْإِمْهَالِ، فَالْأَجَلُ يُطْلَقُ عَلَى مُدَّةِ الْإِمْهَالِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ بِهِ انْتِهَاءُ الْإِمْهَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وُضِعَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ اسْتعْمل فِي الْآخِرَة عَلَى تَأْوِيلِ مُنْتَهَى الْمُدَّةِ أَوْ تَأْخِيرِ الْمُنْتَهَى وَشَاعَ الِاسْتِعْمَالَانِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَالُ قَضَى الْأَجَلَ أَيِ الْمُدَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [الْقَصَص: 28] وَعَلَى الثَّانِي يُقَالُ: «دَنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015