عَطَفَ الْأَمْرَ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ، وَذَلِكَ فِي التَّبَايُعِ، فَقَدْ كَانُوا يَبِيعُونَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ كَيْلًا، وَكَانُوا يَتَوَازَنُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَكَانُوا يُطَفِّفُونَ حِرْصًا عَلَى الرِّبْحِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ. وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّطْفِيفِ كَمَا فِي قَوْلِ شُعَيْبٍ: وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ [هود: 84] إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْحَدِّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَدْلُ وَافِيًا، وَعَدَمُ النَّقْصِ يُسَاوِي الْوَفَاءَ، وَلَكِنْ فِي اخْتِيَارِ الْأَمْرِ بِالْإِيفَاءِ اهْتِمَامًا بِهِ لتَكون النّفوس ملتفتة إِلَى جَانِبِ الْوَفَاءِ لَا إِلَى جَانب ترك التّنقيص، وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِالسَّخَاءِ الَّذِي يَتَمَادَحُونَ بِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: أَيْنَ سَخَاؤُكُمُ الَّذِي تَتَنَافَسُونَ فِيهِ فَهَلَّا تُظْهِرُونَهُ إِذَا كِلْتُمْ أَوْ وَزَنْتُمْ فَتَزِيدُوا عَلَى الْعَدْلِ بِأَنْ تُوَفِّرُوا لِلْمُكْتَالِ كَرَمًا بَلْهَ أَنْ تَسْرِقُوهُ حَقَّهُ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى اخْتِلَالِ أَخْلَاقِهِمْ وَعَدَمِ تَوَازُنِهَا.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِالْقِسْطِ

لِلْمُلَابَسَةِ وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قائِماً بِالْقِسْطِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [18] ، أَيْ أَوْفُوا مُتَلَبِّسِينَ بِالْعَدْلِ بِأَنْ لَا تَظْلِمُوا الْمُكْتَالَ حَقَّهُ.

لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.

ظَاهِرُ تَعْقِيبِ جُمْلَةِ: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ

إِلَخْ بِجُمْلَةِ: لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالَّتِي وَلَيْتَهَا فَتَكُونُ احْتِرَاسًا، أَيْ لَا نُكَلِّفُكُمْ تَمَامَ الْقِسْطِ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ بِالْحَبَّةِ

وَالذَّرَّةِ وَلَكِنَّا نُكَلِّفُكُمْ مَا تَظُنُّونَ أَنَّهُ عَدْلٌ وَوَفَاءٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الِاحْتِرَاسِ أَنْ لَا يَتْرُكَ النَّاسُ التَّعَامُلَ بَيْنَهُمْ خَشْيَةَ الْغَلَطِ أَوِ الْغَفْلَةِ، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى تَعْطِيلِ مَنَافِعَ جَمَّةٍ. وَقَدْ عَدَلَ فِي هَذَا الِاحْتِرَاسِ عَنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْمَقُولُ ابْتِدَاء فِي قَوْلِهِ: مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الْأَنْعَام: 151] لِمَا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015