وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ:- بِضَمِّ الْيَاءِ- عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ يُضِلِّلُونَ النَّاسَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ الضَّالَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُضِلَّ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّ الْمُضِلَّ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا ضَالًّا، إِلَّا إِذَا قَصَدَ التَّغْرِيرَ بِغَيْرِهِ. وَالْمَقْصُودُ التَّحْذِيرُ مِنْهُمْ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ.

وَالْبَاءُ فِي بِأَهْوائِهِمْ لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ. وَالْبَاءُ فِي بِغَيْرِ عِلْمٍ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ يُضِلُّونَ مُنْقَادِينَ لِلْهَوَى، مُلَابِسِينَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ عَنْ دَلِيلٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الْأَنْعَام: 116] . وَمِنْ هَؤُلَاءِ قَادَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَدِيمِ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، أَوَّلُ مَنْ سَنَّ لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَبَحَّرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِثْلُ الَّذِينَ قَالُوا: (مَا قَتَلَ اللَّهُ أَوْلَى بِأَنْ نَأْكُلَهُ مِمَّا قَتَلْنَا بِأَيْدِينَا) .

وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ تَذْيِيلٌ، وَفِيهِ إِعْلَام للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوَعُّدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ، فَالْإِخْبَارُ بِعِلْمِ اللَّهِ بِهِمْ كِنَايَةٌ عَنْ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَأَنَّهُ لَا يُفْلِتُهُمْ، لِأَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا بِهِمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهِ. وَهُوَ وَعِيدٌ لَهُمْ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ وَيُقْرَأُ عَلَيْهِمْ حِينَ الدَّعْوَةِ. وَذِكْرُ الْمُعْتَدِينَ، عَقِبَ ذِكْرِ الضَّالِّينَ، قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُمُ الْمُرَادُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِانْتِظَامِ الْكَلَامِ مُنَاسَبَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ وَهُمْ مُعْتَدُونَ، وَسَمَّاهُمُ اللَّهُ مُعْتَدِينَ. وَالِاعْتِدَاءُ: الظُّلْمُ، لِأَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الضَّلَالَ مِنْ دُونِ حُجَّةٍ وَلَا نَظَرٍ، فَكَانُوا مُعْتَدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمُعْتَدِينَ عَلَى كُلِّ مَنْ دَعَوْهُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015