فَإِذَا جُعِلَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَما يُشْعِرُكُمْ خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ، كَانَ الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ وَمُتَعَلِّقُ فِعْلِ يُشْعِرُكُمْ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ.

وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّنَا نَأْتِيكُمْ بِآيَةٍ كَمَا تُرِيدُونَ.

وَلَا نَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفَاتٍ تَكَلَّفَهَا الْمُفَسِّرُونَ، فَفِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ طَمِعُوا فِي إِيمَانِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَتَمَنَّوْا مَجِيئَهَا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، أَيْ أَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى جَعْلِ مَا يُشْعِرُكُمْ مُسَاوِيًا فِي الِاسْتِعْمَالِ لِقَوْلِهِمْ مَا يُدْرِيكَ.

وَرَوَى سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَنَّها مَعْنَاهُ لَعَلَّهَا، أَيْ لَعَلَّ آيَةً إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا. وَقَالَ: تَأَتَّى (أَنْ) بِمَعْنَى لَعَلَّ، يُرِيدُ أَنَّ فِي لَعَلَّ لُغَةً تَقُولُ: لِأَنَّ، بِإِبْدَالِ الْعَيْنِ هَمْزَةً وَإِبْدَالِ اللَّامِ الْأَخِيرَةِ نُونًا، وَأَنَّهُمْ قَدْ يَحْذِفُونَ اللَّامَ الْأُولَى تَخْفِيفًا كَمَا يَحْذِفُونَهَا فِي قَوْلِهِمْ: عَلَّكَ أَنْ تَفْعَلَ، فَتَصِيرُ (أَنَّ) أَيْ (لَعَلَّ) . وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَنْشَدُوا أَبْيَاتًا.

وَعَنِ الْفَرَّاءِ، وَالْكِسَائِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ: أَنَّ لَا زَائِدَةٌ، كَمَا ادَّعَوْا زِيَادَتَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [الْأَنْبِيَاء: 95] .

وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ جَعَلَ أَنَّها تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ أَي لَا

تأتيهم بِهَا لِأَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ، أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ كِنَايَةً عَنْ مَنْعِهِمْ مِنَ الْإِجَابَةِ لِمَا طَلَبُوهُ.

وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَيَعْقُوبَ، وَخَلَفٍ، وَأَبِي بَكْرٍ، فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّها- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- يَكُونُ اسْتِئْنَافًا. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ يُشْعِرُكُمْ لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِها. وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يُشْعِرُكُمْ بِإِيمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِذَا جَاءَتْ آيَةٌ.

وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، وَحَمْزَةَ، وَخَلَفٍ- بِتَاءِ الْمُخَاطَبِ-. فَتَوْجِيهُ قِرَاءَةِ خَلَفٍ الَّذِي قَرَأَ إِنَّهَا- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ-، أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ أَنَّها إِذا جاءَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015