وتَعْدِلْ مُضَارِعُ عَدَلَ إِذَا فَدَى شَيْئًا بِشَيْءٍ وَقَدَّرَهُ بِهِ. فَالْفِدَاءُ يُسَمَّى الْعَدْلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [48] .

وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِ أَنْ الْمُفِيدَةِ عَدَمَ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّرْطِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَفْرُوضٌ كَمَا يُفْرَضُ الْمُحَالُ.

وَالْعَدْلُ فِي قَوْلِهِ: كُلَّ عَدْلٍ مَصْدَرُ عَدَلَ الْمُتَقَدِّمِ. وَهُوَ مَصْدَرُهُ الْقِيَاسِيُّ فَيَكُونُ كُلَّ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» ، أَيْ وَإِنْ تُعْطَ كُلَّ عَطَاءٍ لِلْفِدَاءِ لَا يُقْبَلُ عَطَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِ تَعْدِلْ لِأَنَّ فِعْلَ (عَدَلَ) يَتَعَدَّى لِلْعِوَضِ بِالْبَاءِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِلْمُعَوَّضِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا. فَلِذَلِكَ مَنَعَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ كُلَّ عَدْلٍ مَفْعُولًا بِهِ، وَهُوَ تَدْقِيقٌ. وكُلَّ هُنَا مُجَازٌ فِي الْكَثْرَةِ إِذْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ، أَيْ لِلْفِدَاءِ حَصْرٌ حَتَّى يُحَاطَ بِهِ كُلِّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِعْمَالُ (كُلَّ) بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [145] .

وَقَوْلُهُ: لَا يُؤْخَذْ مِنْها أَيْ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا مَا تَعْدِلُ بِهِ. فَقَوْلُهُ: مِنْها هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ لِ يُؤْخَذْ. وَلَيْسَ فِي يُؤْخَذْ ضَمِيرُ الْعَدْلِ لِأَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْعَدْلَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، فَلَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ الْأَخْذُ كَمَا فِي «الْكَشَّافِ» ، فَقَدْ نَزَلَ فِعْلُ الْأَخْذِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مَفْعُولٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا أَخْذٌ. وَالْمَعْنَى لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَدْ جَمَعَتِ الْآيَةُ جَمِيعَ مَا تَعَارَفَ النَّاسُ التَّخَلُّصَ بِهِ مِنَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبِ، وَهُوَ النَّاصِرُ وَالشَّفِيعُ وَالْفِدْيَةُ.

فَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [48] .

وَجُمْلَةُ: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ الْكَلَامَ يُثِيرُ

سُؤَالَ سَائِلٍ يَقُولُ: فَمَا حَالُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا مِنْ حَالِ النُّفُوسِ الَّتِي تُبْسَلُ بِمَا كَسَبَتْ، فَأُجِيبَ بِأَنَّ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا، فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَوْصُولِ بِمَا لَهُ مِنَ الصِّلَةِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْجُزْأَيْنِ أَفَادَ الْقَصْرَ، أَيْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُبْسَلُونَ لَا غَيْرُهُمْ.

وَهُوَ قَصْرُ مُبَالَغَةٍ لِأَنَّ إِبْسَالَهُمْ هُوَ أَشَدُّ إِبْسَالٍ يَقَعُ فِيهِ النَّاسُ فَجَعَلَ مَا عَدَاهُ كَالْمَعْدُومِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015