لِلسَّائِرِ وَلِلْقَاطِنِ، أَيْ مَا يَحْصُلُ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ مِنَ الْآفَاتِ. وَظُلُمَاتُ الْبَحْرِ يُخْشَى فِيهَا الْغَرَقُ وَالضَّلَالَ وَالْعَدُوُّ. وَقِيلَ: أُطْلِقَتِ الظُّلُمَاتُ مَجَازًا عَلَى الْمَخَاوِفِ الْحَاصِلَةِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ مُظْلِمٌ إِذَا حَصَلَتْ فِيهِ شَدَائِدُ. وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ (رَأَى الْكَوَاكِبَ مُظْهِرًا) ، أَيْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ يَوْمه إضلاما فِي عَيْنَيْهِ لِمَا لَاقَاهُ مِنَ الشَّدَائِدِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ لَيْلٌ يُرَى فِيهِ الْكَوَاكِبُ. وَالْجَمْعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ رُوعِيَ فِيهِ تَعَدُّدُ أَنْوَاعِ مَا يَعْرِضُ مِنَ الظُّلُمَاتِ، عَلَى أَنَّنَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي لَفْظِ الظُّلُمَاتِ جَرَى عَلَى قَانُونِ الْفَصَاحَةِ.

وَجُمْلَةُ: تَدْعُونَهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يُنَجِّيكُمْ.

وقرىء مَنْ يُنَجِّيكُمْ- بِالتَّشْدِيدِ- لِنَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَابْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَعَاصِمٍ، وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَخَلَفٍ. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ- بِالتَّخْفِيفِ-.

وَالتَّضَرُّعُ: التَّذَلُّلُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [42] .

وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ. وَالْخُفْيَةُ- بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا- ضِدُّ الْجَهْرِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ- الْخَاءِ-. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ- بِكَسْرِ الْخَاءِ- وَهُوَ لُغَةٌ مِثْلُ أُسْوَةٍ وَإِسْوَةٍ. وَعَطَفَ خُفْيَةً عَلَى تَضَرُّعاً إِمَّا عَطْفَ الْحَالِ عَلَى الْحَالِ كَمَا تُعْطَفُ الْأَوْصَافُ فَيَكُونُ مَصْدَرًا مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَطْفَ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ الدُّعَاءِ، أَيْ تَدْعُونَهُ فِي الظُّلُمَاتِ مُخْفِينَ أَصْوَاتَكُمْ خَشْيَةَ انْتِبَاهِ الْعَدُوِّ مِنَ النَّاسِ أَوِ الْوُحُوشِ.

وَجُمْلَةُ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا فِي مَحَلٍّ نَصْبٍ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ قَائِلِينَ. وَحَذْفُ الْقَوْلِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةُ الْكَلَامِ. وَاللَّامُ فِي لَئِنْ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقِسْمِ، وَاللَّام فِي لَنَكُونَنَّ لَامُ جَوَابِ الْقِسْمِ. وَجِيءَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ إِمَّا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِكَايَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ بِحَيْثُ يَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ رِفَاقِهِ. وَإِمَّا أُرِيدَ التَّعْبِيرُ عَنِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ مِثْلَ: رَكِبَ الْقَوْمُ خَيْلَهُمْ، وَإِنَّمَا رَكِبَ كُلُّ وَاحِدٍ فَرَسًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015