وَالْفَصْلُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ. قَالَ عُمَرُ فِي كِتَابِهِ إِلَى أَبِي مُوسَى «فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ» . وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّوَابِ وَالْخَطَأِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [ص: 20] وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ [الطارق: 13] . فَمَعْنَى خَيْرُ الْفاصِلِينَ يَشْمَلُ الْقَوْلَ الْحَقَّ وَالْقَضَاء الْعدْل.

[58]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 58]

قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ [الْأَنْعَام: 57] يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ كَانَ بِيَدِكَ إِنْزَالُ الْعَذَابِ بِهِمْ مَاذَا تَصْنَعُ، فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ الْآيَةَ. وَإِذْ قَدْ كَانَ قَوْلُهُ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي إِلَخ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَالْأَمْرُ بِأَنْ يَقُولَهُ فِي قُوَّةِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا بُنِيَ كُلُّهُ عَلَى تَلْقِينِ الرَّسُولِ مَا يَقُولُهُ لَهُمْ فَالسَّائِلُ يَتَطَلَّبُ مِنَ الْمُلَقِّنِ مَاذَا سَيُلَقَّنُ بِهِ رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ. وَمَعْنَى عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ تَقَدَّمَ آنِفًا، أَيْ لَوْ كَانَ فِي عِلْمِي حِكْمَتُهُ وَفِي قُدْرَتِي فِعْلُهُ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ مَعْنَى لَسْتُ إِلَهًا وَلَكِنَّنِي عَبْدٌ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ.

وَقَوْلُهُ: لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ جَوَابُ لَوْ. فَمَعْنَى لَقُضِيَ تَمَّ وَانْتَهَى.

وَالْأَمْرُ مُرَادٌ بِهِ النِّزَاعُ وَالْخِلَافُ. فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ للْعهد، وَبني لَقُضِيَ الْأَمْرُ لِلْمَجْهُولِ لِظُهُورِ أَنَّ قَاضِيَهُ هُوَ مَنْ بِيَدِهِ مَا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ.

وَتَرْكِيبُ (قُضِيَ الْأَمْرُ) شَاعَ فَجَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ، فَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِيَصْلُحَ التَّمَثُّلُ بِهِ فِي كُلِّ مَقَامٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ [يُوسُف: 41] وَقَوْلُهُ: وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [الشورى: 21] وَقَوْلُهُ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مَرْيَم:

39] وَلِذَلِكَ إِذَا جَاءَ فِي غَيْرِ طَرِيقَةِ الْمَثَلِ يُصَرَّحُ بِفَاعِلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ [الْحجر: 66] .

وَذَلِكَ الْقَضَاءُ يَحْتَمِلُ أُمُورًا: مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِالْآيَةِ الْمُقْتَرَحَةِ فَيُؤْمِنُوا، أَوْ أَنْ يَغْضَبَ فَيُهْلِكَهُمْ، أَوْ أَنْ يَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ عَنْ طَلَبِ مَا لَا يُجِيبُهُمْ إِلَيْهِ فَيَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015