وَالْمُرَادُ بِ الَّذِي يَقُولُونَ أَقْوَالَهُمُ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ تَصْدِيقِهِمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ [الْأَنْعَام: 34] ، فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ التَّكْذِيبِ وَنَحْوِهِ إِلَى اسْمِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ تَنْزِيهًا لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَنْ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ الشَّنِيعِ فِي جَانِبِهِ تَلَطُّفًا مَعَهُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ لَيَحْزُنُكَ- بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ-. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ- يُقَالُ: أَحْزَنْتَ الرَّجُلَ- بِهَمْزَةِ تَعْدِيَةٍ لِفِعْلِ حَزَنَ، وَيُقَالُ: حَزَنْتُهُ أَيْضًا.

وَعَنِ الْخَلِيلِ: أَنَّ حَزَنْتُهُ، مَعْنَاهُ جَعَلْتُ فِيهِ حُزْنًا كَمَا يُقَالُ: دَهَنْتُهُ. وَأَمَّا التَّعْدِيَةُ فَلَيْسَتْ إِلَّا بِالْهَمْزَةِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: حَزَنْتُ الرَّجُلَ، أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، وَأَحْزَنْتُهُ، أَقْيَسُ. والَّذِي يَقُولُونَ هُوَ قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ، مَجْنُونٌ، كَاذِبٌ، شَاعِرٌ. فَعَدَلَ عَنْ تَفْصِيلِ قَوْلِهِمْ إِلَى إِجْمَالِهِ إِيجَازًا أَوْ تَحَاشِيًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي جَانِبِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ.

وَالضَّمِيرُ الْمَجْعُولُ اسْمَ (إِنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَاللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، وَفعل لَيَحْزُنُكَ

فعل الْقَسَمِ، والَّذِي يَقُولُونَ فَاعِلُهُ، وَاللَّامُ فِي لَيَحْزُنُكَ لَامُ الِابْتِدَاء، وَجُمْلَة لَيَحْزُنُكَ خَبَرُ إِنَّ، وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قَوْلِهِ «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» .

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

قَدْ نَعْلَمُ، أَيْ فَلَا تَحْزَنْ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، أَيْ لِأَنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ. وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لِلْفَصِيحَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ كَانَ يُحْزِنُكَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّكْذِيبِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ، فَاللَّهُ قَدْ سَلَّى رَسُولَهُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُكَذِّبُونَهُ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ جُحُودٍ وَمُكَابَرَةٍ. وَكَفَى بِذَلِكَ تَسْلِيَةً. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى قَدْ نَعْلَمُ، أَيْ فَعِلْمُنَا بِذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّا نُثَبِّتُ فُؤَادَكَ وَنَشْرَحُ صَدْرَكَ بِإِعْلَامِكَ أَنَّهُمْ لَا يكذبُونَك، وَإِن نُذَكِّرَكَ بِسُنَّةِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، وَنُذَكِّرَكَ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ هِيَ نَصْرُكَ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ لَا يُكَذِّبُونَكَ،- بِسُكُونِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ-. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ-. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ إِنَّ أَكْذَبَ وَكَذَّبَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَكْذَبَهُ، وَجَدَهُ كَاذِبًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015