تَخْطِيطِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ فِي الْجُغْرَافِيَا ثُمَّ يَمْتَدُّ فَيُضِيءُ الْأُفُقَ ثُمَّ تَظْهَرُ الشَّمْسُ عِنْدَ الشُّرُوقِ وَهُوَ مَظْهَرٌ عَظِيمٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَبَدِيعِ الصُّنْعِ.

فَالْفَجْرُ ابْتِدَاءُ ظُهُورِ النُّورِ بَعْدَ مَا تَأْخُذُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ فِي الِانْصِرَامِ وَهُوَ وَقْتٌ مُبَارَكٌ لِلنَّاسِ إِذْ عِنْدَهُ تَنْتَهِي الْحَالَةُ الدَّاعِيَةُ إِلَى النَّوْمِ الَّذِي هُوَ شَبِيهُ الْمَوْتِ وَيَأْخُذُ النَّاسُ فِي

ارْتِجَاعِ شُعُورِهِمْ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى مَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ أَعْمَالِهِمُ النَّافِعَةِ لَهُمْ.

فَالتَّعْرِيفُ فِي الْفَجْرِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمُنَاسَبَةِ عَطْفِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ فَجْرٌ مُعَيَّنٌ: فَقِيلَ أُرِيدَ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ عَنْ قَتَادَةَ.

وَقِيلَ: فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْفَجْرُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْحَجِيجُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ، فَيَكُونُ تَعْرِيفُ الْفَجْرِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَيالٍ عَشْرٍ: هِيَ لَيَالٍ مَعْلُومَةٌ لِلسَّامِعِينَ مَوْصُوفَةٌ بِأَنَّهَا عَشْرٌ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ تَعْرِيفِهَا بِتَوْصِيفِهَا بِعَشْرٍ وَإِذْ قَدْ وَصَفْتَ بِهَا الْعَدَدَ تَعَيَّنَ أَنَّهَا عَشْرٌ مُتَتَابِعَةٌ وَعُدِلَ عَنْ تَعْرِيفِهَا مَعَ أَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ لِيُتَوَصَّلَ بِتَرْكِ التَّعْرِيفِ إِلَى تَنْوِينِهَا الْمُفِيدِ لِلتَّعْظِيمِ وَلَيْسَ فِي لَيَالِي السَنَةِ عَشْرُ لَيَالٍ مُتَتَابِعَةٍ عَظِيمَةٍ مِثْلِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي هِيَ وَقْتُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَفِيهَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ وَدُخُولُ مَكَّةَ وَأَعْمَالُ الطَّوَافِ، وَفِي ثَامِنَتِهَا لَيْلَةُ التَّرْوِيَةِ، وَتَاسِعَتُهَا لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَعَاشِرَتُهَا لَيْلَةُ النَّحْرِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا اللَّيَالِي الْمُرَادَّةُ بِلَيَالٍ عَشْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ،

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ (الْمَكِّيِّ) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى»

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَمْ يَصِحَّ وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ وَعِنْدِي أَنَّ الْمَتْنَ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ اهـ.

وَمُنَاسَبَةُ عَطْفِ لَيالٍ عَشْرٍ عَلَى الْفَجْرِ أَنَّ الْفَجْرَ وَقْتُ انْتِهَاءِ اللَّيْلِ، فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّيْلِ جَامِعُ الْمُضَادَّةِ، وَاللَّيْلُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَمَّا أُرِيدَ عَطْفُهُ عَلَى الْفَجْرِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ خُصَّتْ قَبْلَ ذِكْرِهِ بِالذِّكْرِ لَيَالٍ مُبَارَكَةٌ إِذْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِ اللَّيْلِ.

وَكَانَتِ اللَّيَالِي الْعَشْرُ مُعَيَّنَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ غُيِّرَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015