فصل: تفسير قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}

شواهد الربوبية وأدلة التوحيد في نفس الإنسان

إلا هو، وأنَّ رُسُلَهُ صادقون.

وآياتُ الأرض أعظمُ ممَّا ذُكر وأكثر، فنبَّه (?) باليسير منها على الكثير.

فصل

ثُمَّ قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 21]، لمَّا كان أقربُ الأشياء إلى الإنسان نفسَهُ؛ دعاهُ خالقُه وبارئه ومصوِّرُه وفاطِرُه (?) من قَطْرة ماءٍ إلى التبصُّرِ والتفكُّرِ في نفسه.

فإذا تفكَّرَ الإنسانُ [ز/107] في نفسه استَنَارَتْ له آياتُ الربوبية، وسَطَعَتْ له أنوارُ اليقين، واضمحلَّتْ عنه غَمَراتُ الشكِّ والرَّيْب، وانْقَشَعَتْ عنه ظلماتُ الجهل.

فإنَّه إذا نظر إلى نفسه وجد آثارَ التدبير فيه قائمةً، وأدلَّةَ التوحيد على ربِّه ناطِقةً شاهِدةً لمُدَبِّرِه، دالةً عيه، مرشِدَةً إليه؛ إذ يَجدُهُ مُكَوِّنًا من قطرة ماءٍ: لحومًا مُنَضَّدَةً، وعظامًا مركَّبَةً، وأوصا لاً متعدِّدةً، مَأْسُورَةً مشدُودَةً بحبال العُرُوق والأعصاب، قد قُمِطَتْ وشُدَّتْ، وجُمِعَتْ بجلدٍ متينٍ، مشتملٍ على ثلاثمائةٍ وستين مَفْصِلاً، ما بين كبيرٍ وصغيرٍ، وثَخِينٍ ودقيقٍ، ومستطيلٍ ومستديرٍ، ومستقيمِ ومُنْحَنٍ، وشُدَّت [ن/ 89 أ] (?) هذه الأوصال بثلاثمائة وستين عِرْقًا، للاتصالِ والانفصالِ، والقَبْضِ والبَسْطِ، والمَدِّ والضَّمِّ، والصنائع والكتابة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015