ولقد كان اليسوعيون قد اختاروا بلدة " غزير " للتعليم، لما كان منافسوهم قد اختاروا بلده " عبيه " للغاية عينها. فلما انتقل الأمريكيون إلى بيروت لم تبق " غزير " في رأي اليسوعيين المركز الذي يمكن الكاثوليك من الدفاع عن عقائدهم في ميدان العلم والتعليم، ولذلك عزموا على نقل كليتهم من " غزير " إلى بيروت أيضًا (?). وَنَعَمَ اليسوعيون في القرن الأخير بامتيازات لم تتوفر للأمريكيين. أجل، إن الانتداب قد رفع الرقابة عن أعمال الأمريكيين وترك لهم الحرية في نشاطهم الديني، ولكن الانتداب نفسه قد سخر جيوشه ورجاله لخدمة اليسوعيين. قال اليسوعيون: «كَانَ المُبَشِّرُونَ اليَسُوعِيُّونَ فِي أَوَّلَ أَمْرِهِمْ (قَبْلَ الاِنْتِدابِ الفِرَنْسِيِّ عَلَى سُورِيَّةَ) يُنْشِئُونَ المَدَارِسَ فِي جَبَلِ الدُّروزِ ثَمَّ يُغْلِقُونَهَا إذَا قَصَّرَتْ مَوَارِدُهُمْ الاِقْتِصَادِيَّةُ عَنْ إِدَرَاتِهَا. وَلَكِنَّ التَّعْلِيمَ (التَّبْشِيرِيَّ) اليَوْمَ - أَيْ بَعْدَ الاِنْتِدابِ - وَخُصُوصًا فِي جَبَلِ الدُّروزِ يَقُومُ عَلَى تَعَاوُنٍ وَثِيقٍ بَيْنَ المُبَشِّرِينَ وَبَيْنَ السُّلُطَاتِ العَامَّةِ» (?).

ولا نحب هنا أن نسهب في الكلام على المؤسسات اليسوعية ولا المؤسسات الشبيهة بها، فالغايات اليسوعية معروفة. ولكن الغريب أن اليسوعيين لا يزالون في لبنان وحده قوة تتحدى كل إصلاح في التعليم الرسمي. إلا أن هذا الكتاب ليس موضعًا لبحث ذلك.

علينا أن نقتدي بأمم الغرب التي لم تستطع بلادها أن تسير في معارج الاستقلال والرقي إلا بعد أن وضعت اليسوعيين خارج حدودها: يجب أن نتعلم من غيرنا ما ننفع به أنفسنا.

لقد تعثر الشرق في حياته السياسية والقومية لأن المدارس الأجنبية المختلفة قد فرقت أبناء الوطن الواحد طرائق مختلفة فشتتت أهدافهم وباعدت بين الطرق إلى تلك الأهداف. إن التعليم قوة توجيهية عظيمة، فلا يجوز أن تكون في أيد أجنبية تلعب بها وتستغلها لمآرب وأغراض أجنبية.

إن التعيم الوطني الموحد، ولو كان ناقصًا بعض النقص، أفضل من التعليم الأجنبي المتنافر، ولو كان كاملاً كل الكمال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015