ومن الممكن أن يفوز الإنسان بإقامة شهر في كل حرم، ويحظى في مهابط الرحمة والكرم، وأيضًا كان من عادة الخلفاء - سلفًا وخلفًا - أنهم كانوا يرددون البريد عمدًا قصدًا لتبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين، فاجعلني - الله فداك - ذلك البريد، فلا أتمنى شيئًا سواه ولا أريد.

شوقي إلى الكعبةِ الغراءِ قد زادا ... واستحملَ القلسَ الوَخَّادَةَ الزادا

واستأذنَ المَلِكَ المِنْعامَ زيد على ... واستودعَ الله أصحابًا وأولادا

فلما وصل هذا إلى السلطان، كتب في طرة الكتاب ما مثاله: صدرَ الجمالِ المصريَّ! على لساني ما يحققه لك شفاهًا، إن هذا شيء لاينطق به لساني، ولا يجري به قلمي، فقد كانت اليمن عمياء فاستنارت، فكيف يمكن أن تتقدم، وأنت تعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميتًا من العلم، فبالله عليك إلا ما وهبت له بقيةَ هذا العمر، والله! يا مجد الدين! يمينًا بارة، إني أرى فراق الدنيا ونعيمها، ولا فراقك، أنت اليمن وأهله، انتهى.

قال الشوكاني - رح -: وفي هذا الكلام عبرة للمعتبرين من أفاضل السلاطين بتعظيم قدر علماء الدين، وقد أخذ عنه الأكابر في كل بلد وصل إليه، ومن جملة تلامذته: الحافظُ ابنُ حجر، والمَقْريزي، والبرهانُ الحلبي، ومات ممتعًا بسمعه وحواسه في ليلة عشرين شوال سنة 817، انتهى كلام الشوكاني في "البدر الطالع" - رحمه الله تعالى -.

496 - محمد بن يوسف بنِ عليٍّ، الكرمانيُّ، ثم البغداديُّ.

ولد في سنة 717، وأخذ من جماعة ببلده، ثم ارتحل إلى شيراز، وأخذ عن القاضي عضد، ودخل الشام ومصر، وسمع "البخاري" بالجامع الأزهر من لفظ المحدث ناصر الدين الفارقي، وصنف شرحًا للبخاري، سماه: "الكواكب الدراري"، وسمع منه جماعة، واشتهر في جميع الأقطار، وعاب في خطبته على "شرح ابن بطال"، و"شرح الحلبي"، و"شرح مغلطائي". قال ابن حجر في "الدرر": إن شرح صاحب الترجمة مفيد، على أوهام فيه في النقل؛ لأنه لم يأخذه إلا من الصحف. تصدر لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، وكان مقبلاً على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015