العالم أفتى بها بلا نص في ذلك. وهذا باطل. لأنه قول في الدين بلا برهان، وقد يختلف الصحابة والتابعون والعلماء في ذلك. فما الذي جعل بعضهم أولى بالاتباع من بعض؟ قال: ويكفي في إبطال التقليد: أن القائلين به مقرون على أنفسهم بالباطل. لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرة بأن التقليد لا يحل، وأئمتهم الثلاثة قد نهوا عن تقليدهم. ثم مع ذلك خالفوهم وقلدوهم وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقروا ببطلان التقليد ثم دانوا الله بالتقليد.

وأيضاً فإنهم مجمعون معنا على أن جميع أهل عصر الصحابة رضي الله عنهم لم يكن فيهم واحد فما فوقه يقلد صاحباً أكبر منه، فيأخذ قوله كله وأن جميع أهل عصر التابعين لم يكن فيهم واحد يقلد صاحباً أو تابعاً أكبر منه، فيأخذ بقوله كله. فصح يقيناً أن هؤلاء المقلدين الذين لا يخالفون من قلدوه قد خالفوا إجماع الأمة كلها بيقين وهذا عظيم جداً.

وأيضاً: فما الذي خص أبا حنيفة ومالكاً والشافعي بأن يقلدوا دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، ودون سعيد بن المسيب والزهري والنخعي والشعبي وعطاء وطاووس والحسن البصري رحمة الله على جميعهم؟

وأيضاً: فإن هذه الطوائف كلها مقرة بأن عيسى ابن مريم عليه السلام سينزل ويحكم في الأرض. فهل يحكم إذا نزل برأي أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي؟ معاذ الله، بل يحكم بما أوحى الله إلى أخيه محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي ندعوا إليه والذي لا يحل لأحد أن يحكم ولا أن يفتي إلا به، ولا يدين بسواه.

فإن قالوا: لا نقدر على الاجتهاد. قلنا: يأخذ كل أحد جهده في الطريق الموصلة إلى ذلك.

ثم قال: ذكر الآثار في ذم التقليد- وأخرج بأسانيده آثاراً استوفيتها في تيسير الاجتهاد – فمنها: ما أخرجه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "أما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015