إذن فهذا كان حسن تخلص من أبي تمام في الخروج من هذا المأزق، أو هذا المأخذ الذي أُخذ عليه أيًّا ما كان؛ فالمشهور والمعروف أن يكون المشبه به في تحقيق وجه الشبه أقوى من المشبه، وأعرف وأظهر، هذا هو المعروف والمتداول، والغالب في صور التشبيه.

أما وجه الشبه التخييلي: فهو الذي يكون وجوده في أحد الطرفين على جهة الحقيقة، وفي الآخر على جهة التخييل والتأويل، قول القاضي التنوخي:

وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهن ابتداع

هذه صورة رائعة في التشبيه، فقد شبه انتشار النجوم في السماء، وقد تخللتها قطع من سواد الليل، بالسنن الواضحة، وقد اندست بينها البدع، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من وجود أشياء مشرقة مضيئة في جوانب شيء مظلم، وهو كما هو واضح مركب حسي، هذا الوجه موجود على جهة التحقيق في المشبه، ولا يوجد في المشبه به إلا على طريق التخييل؛ لأن السنن والبدع من المعقولات التي لا تتصف بصفة المحسوسات، فالتخييل الذي نقصده أن نتأمل أجزاء الصورة في الطرفين، ثم نصل إمكان الجمع بينهما في الوجه المذكور، وذلك بأن نقول: إن السنة تشبه بالنجم بجامع الاهتداء بكل منهما، والبدعة تشبه بالليل بجامع الإضلال؛ بذا تكون جزءا الصورة قد تماثلًا، وتآخيا عند النفس، ثم إن البدعة والكفر وكل ما هو جهل قد اشتهر وصفه بالظلام والسواد، وكذلك السنة والإيمان، وكل ما هو علم قد اشتهر وصفه بالإشراق والبياض.

قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة: 257)، قوله -عليه الصلاة والسلام- ((أتيتكم بالحنيفية البيضاء)) ويقال: شاهدت سواد الكفر في جبين فلان، ونور الإيمان يشرق في وجه فلان، فلما اشتهر ذلك تواهمت النفس، وتخيلت أن في البدع ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015