وها أنا (?) قد عرّضت نفسى لرشق سهام الملام، إجابة لسؤالك؛ فإنّ الوقت حرج، والشّواغل كثيرة، والموانع جمّة، والعهد بهذ الفنّ بعيد وللنفّس عنه صادف، والهمّة إلى غيره مصروفة، ومن الله أستمدّ حسن التوفيق والإعانة على ما كلّفتنيه وسمّيته كتاب «البديع فى علم العربيّة».

واعلم أن علم العربيّة المخصوص باسم النحو لا يعدو قسمين:

أحدهما: معرفة ذات الكلمة وبنائها وما يتعلّق بحرفها من التغيير.

والثانى: معرفة ما يطرأ عليها من الحركات والسّكون.

وكلّ واحد من هذين القسمين يدخل على الآخر فى التّبيين؛ لضرورة الإفهام، فهما متداخلان، لا يكاد ينفرد أحدهما بالذكر عن الآخر، إلّا أنّ كلّ واحد منهما يغلب ذكره على بعض الأبواب دون بعض والحكمة تقتضى أن يبدأ فى الذكر بالقسم الأول؛ لأنّ معرفة الذات قبل معرفة الصّفات، إلا أنّ العلماء عكسوا القضية، وكان الباعث على ذلك أمرين:

أحدهما: مسيس الحاجة الغالبة إلى معرفة الثانى؛ لما دخل على الألسنة من الفساد، وذلك أنّ الإنسان يتلقّف الكلم في صغره ومبدئه، لضرورة الإفهام والاستفهام، على ما يعلم من صحّة وفساد، ولّما غلبت العجمة على ألسنة النّاس تعلّموا الكلام ملحونا، فاحتاجوا إلى إصلاح ذلك، والغالب على طريقه: معرفة الحركات والسّكون.

والأمر الثانى: أن معرفة ذوات الكلم تشتمل على أشياء مشكلة كالتّصريف، والتصغير، والنّسب، ممّا يصعب فهمه على المبتدئين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015