غَشيتني بِزِينَتَيْن فشَقَّتـ ... ني بري يَشِف بين تثنّي

فتظنَّيتُ تَجتَبِيني فتجزيـ ... ـني بنفثٍ يشفي فَخُيّب ظني

ثبَّتَتْ في غِمش جيب بتزييـ ... ـن خبيث يبغي تشفي ضِغن

فنَزَتْ في تجنبي فثنَّتْنِي ... بنشيج يُشجي بِفَن فَفَن

المفردات تحت الخطi.

غالب ظني أن الحريري يشير بمحبوبته التي سماها (تجني) إلى تلك المرأة الجميلة الخبيثة الخداعة، التي تهرب منها فتتبعك، وتجري خلفها وتطير منك، ألا وهي الدنيا؛ لأنه كثيرا ما ذم الدنيا وتقلباتها لولا ضيق المقام لأوردنا كثيرا مما قاله في ذلك.

فلنعد الآن إلى فن الحريري؛ لنرى ما جاء به متوسطا بين الجانبي؛ ن لنتحقق مصداق (خير الأمور أوساطها) ؛ فهو أفضل حتى في باب التكلف؛ فانظر إلى ما قاله عندما خلط بين ما صنعه في الأبيات الأولى والتالية لها، أي بين ترك النقط كلية والتزام التنقيط، فقد أتى هنا بعد كل كلمة غير منقوطة بأخرى منقوطة فسماها الأبيات الأخياف، أي المختلفة، فقال:

اسمح فبَثُّ السماح زين ... ولا تُخِبْ آملا تضيَّف

ولا تُجِزْ ردّ ذي سؤال ... فَنَّن أم في السؤال خَفَّف

ولا تظن الدهور تُبقي ... مال ضَنين ولو تَقشَّف

واحلم فجَفْنُ الكرام يُغضي ... وصدرهم في العطاء نَفنَف

ولا تَخُن عهد ذي وِداد ... ثبتٍ ولا تبغ ما تزيّفii

فأنت ترى كيف جاء هذا الشعر المتكلف سلسا سهلا واضح المعنى قريبا إلى طرق أبواب القلوب بالنسبة لما سبقه، إذن التوسط خير في كل شيء.

ويلاحظ هنا أيضا أن الحريري مال إلى ذم الدنيا والتنفير منها بقوله: "ولا تبغ ما تزيف"، حيث عبر عنها بما يلازمها وهو الدرهم.

وفي النثر أيضا:

مرت بنا هذه الألوان في الشعر؛ إذن لماذا لا يصنع مثل ذلك في النثر أيضا؟ وهذا هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015