القلب:

الحديث حول الجناس قد يجرنا إلى الحديث عن القلب؛ وذلك للصلة التي نلمسها بين الجناس وجناس القلب، الذي هو إيراد كلمتين في جملة أو بيت واحد أحدهما معكوس الآخر، مثل قوله: "حسامه فتح لأوليائه، حتف لأعدائه"؛ فالجناس بين: فتح وحتف، لأنك إذا قلبت حروف أحد الكلمتين جاءتك الكلمة الأخرى.

فهذه الصلة نراها كافية من أن تنقلنا من الجناس إلى القلب: الذي هو أن الكلام لو عكس كان الحاصل من عكسه هو عين ذلك الكلام السابق، هو كما يكون في قلب الحروف يكون في قلب الكلمات، ولا يضر عندهم: مد المقصور ولا قصر الممدود، أو تخفيف المشدد أو تشديد المخفف، كذلك جعل الهمزة ألفا أو العكس، أو تبديل بعض الحركات والسكنات.

وللحريري في هذا الميدان براعة لا يشق له غبار، فقد دخل الرجل في الميدان بالتدريج من المفردات إلى الجمل والأبيات الشعرية حتى المقالة أو الرسالة الكاملة، وتكلف في ذلك تكلفا بالغا، ولم يترك لونا من ألوان الكلام إلا قلبه.

دخل الحريري باب القلب وسماه: ما لا يستحيل بالانعكاس، وأخذ بالترتيب التصاعدي؛ فبدأ بما يتركب من كلمتين مثل (ساكب كاس) ، و (لم أخا مَلّ) i، و (كبّر رجاء أجر ربّك) ii، و (من يربّ إذا برّ ينم) iii، و (سكّت كل من نمّ لك تكِس) iv، أخيرا جاء بجملة من سبع كلمات فقال: "لُذْ بكل مؤمّل إذا لَمّ وملك بذل"v.

وبعد هذه الجمل جاء الحريري بأبيات شعرية يمكن أن يقلب كل بيت منها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015