والحريري لم يكتف بهذه الأسئلة والأجوبة المائة في التورية، ولكن رجع إلى هذه الألوان مرة أخرى في ميدان آخر وهو ميدان الشعر، فأدعوك يا أخي لتقف معي على شيء من ذلك، وهذه الأبيات لا تقل عن الأسئلة التي مرت بنا في الخفاء.

فإلى المقامة الرابعة والأربعين حيث نجده يقول:

1-عندي أعاجيب أرويها بلا كذب ... عن العيان فكنوني أبا العجب

رأيت يا قوم أقواما غذاؤهم ... بول العجوز وما أعني ابنة العنب

فالمعنى القريب لبول العجوز غير مراد؛ لذلك بادر بنفي معنى آخر قريب منه وهو الخمر؛ فهو أيضا يسمى بول العجوز - وما أجدر به أن يسمى بذلك الاسم -؛ لذلك قال: وما أعني ابنة العنب. فالمعنى البعيد هو ابن البقرة.

2- وقادرين متى ما ساء صنعهم ... أو قصروا فيه قالوا الذنب للخطب

فالمعنى المتبادر للقادر هو ضد العاجز، ولكنه غير مقصود هنا؛ فالمقصود هو: القادر بمعنى الطابخ في القدر، والقدير المطبوخ فيها.

3- والتابعين عقابا في مسيرهم ... على تكميهم في البيض واليلبi

فالمعنى القريب للعقاب - بضم العين - نوع من الطير، إلا أن البعيد المراد هنا هو: العقاب بمعنى: الراية، وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم تسمى العقاب.

4-ومُنْدَين ذوي نُبْلٍ بدت لهم ... نبيلة فانثَنوا منها إلى الهربii

المعنى القريب للنبيلة هو امرأة ذات فضيلة، والبعيد المراد هو الجيفة، ومنه تنبل البعير إذا مات وأروح، يعني نتن.

5- ونسوة بعدما أدلجن من حلب ... صبحن كاظمة من غير ما تعب

المعنى القريب لكاظمة: هو موضع على مرحلتين من البصرة على ما هو المتبادر، والمعنى البعيد لكاظمة: هو كظم الغيظ، وأدلجن: سَرَيْنَ في جوف الليل.

6-وشائبا غير مخف للشيب بدا ... في البدو وهو فتي السن لم يشب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015