البدر المنير (صفحة 4793)

تَنْبِيه آخر: قَالَ الرَّافِعِيّ: أَشَارَ الإِمَام (الشَّافِعِي فِي) هَذَا الْخَبَر وَشبهه إِلَى احْتِمَالَيْنِ:

أَحدهمَا: أَنه مَنْسُوخ، إِمَّا بِالْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: (فاضربوهن (، وَإِمَّا بالْخبر. أَي: كآخر هَذَا الْخَبَر، وَبِحَدِيث جَابر الطَّوِيل الثَّابِت فِي «مُسلم» الَّذِي أسلفناه فِي الْحَج بِكَمَالِهِ: «فاضربوهن ضربا غير مبرِّح» .

وَفِي حَدِيث مَكْحُول عَن أم أَيمن: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَوْصَى بعض أهل بَيته ... » . فَذكر حَدِيثا طَويلا، فِيهِ: «وَلَا ترفع عصاك عَنْهُم» .

قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي هَذَا إرْسَال، مَكْحُول لم يدْرك أُمَّ أَيمن، قَالَ أَبُو عبيد: فِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ (الْكسَائي) وَغَيره: يُقَال: إِنَّه لم (يرد) الْعَصَا (الَّتِي) يضْرب بهَا، وَلَا أَمر أحدا قَط بذلك، وَلكنه أَرَادَ الأدبَ. قَالَ أَبُو عبيد: وأصل العصى: الِاجْتِمَاع والائتلاف.

وَالثَّانِي: حمل النَّهْي عَلَى الْكَرَاهَة، أَو عَلَى أَن الأَوْلى التَّحَرُّز عَنهُ مَا أمكن، وَقَالَ ابْن دَاوُد - من أَصْحَابنَا - فِي «شرح الْمُخْتَصر» : اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أَن إِذْنه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الضَّرْب بعد أَن نهَى عَنهُ، ووَرَدَتْ الآيةُ مُوَافقَة لإذنه، فَيكون إِذْنه نَاسِخا لنَهْيه، ثمَّ اسْتحبَّ تركَ الضَّرْب أَو منع مِنْهُ، فَجَاءَت الآيةُ بِالْإِبَاحَةِ، وأمْره موافقٌ لَهَا. وَهَذَا الِاخْتِلَاف مَبْنِيّ عَلَى جَوَاز نسخ الْكتاب بالسُّنَّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015