وبعد: فإنه لما كان العلم أشرف (أ) ما تحلي في الوجود، وأعز ما أنعم الله به على عباده من الجُود نَوَّه سبحانه بفضل مَنْ تحمله بأن جعلهم شاهدين على وحدانيته مذعنين بجلاله وفردانيته وأفردهم بحصر خشيته عليهم وكفى لهم فخرا بتخصيصهم بحميد ذكره وأورثهم المقام العالي لأنبيائه وأفضل نذره، وكان أفضل (ب) ذلك وأولاه بهذا المقام هو العلم المقتبس من مشكاة النبوة التي لا يطفأ نورها ولا يأفل بدورها وشموسها، وكان ذلك العلم الشريف يحتاج المنتفع به إلى تمييز الصحيح من السقيم وسلوك طريق الاعتبار ليكون العمل به جاريا على السَّنَن المستقيم وهذه طريقة عَزُبَ نَيْلُها، وَبَعُدَ تحصيلها، وتقاعدت الهِمَمُ العوالي عن أنْ تشتري مِنْ سوقِها لانتشار طريقها وتفرد بذلك أفراد من نحارير العلماء، وفرسان الحفاظ اللآثار النبوية النبلاء الفهماء، واختلفت طرائقهم في تدوين ذلك فبين مطول ومقتصر ومخلص ومختصر على اختلاف المقاصد وتباين المطالب واعتبار كل قاصد وطالب، وكان من أعظم المؤلفات في ذلك "التلخيص الحَبير" (?) المعلَّق على شرح الرافعي الكبير للحافظ العلامة شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني الشهير بابن حَجَر فهو نَسِيْج وحده، وفريد عصره، ثم أتبع على ذلك المنوال مختصره "بلوغ المرام في أدلة الأحكام" (?) صغير الحجم عظيم القَدْر، فلقد أجاد فيه وأفاد، ووقف (جـ) الآخذ منه على كمال (د)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015