البخلاء للجاحظ (صفحة 171)

أن يكون أحد منكم قد أخطأ بكلمة واحدة، أو يكون هذا البلاء من جرائر النساء» . فلما عرف براءة ساحة القوم، تمشى اليه حافيا راجلا، فقال: «ما يدعوك إلى القسمة والتمييز؟ ادع صلحاء أهل المسجد الساعة، حتى أشهدهم بأني وكيل لك في هذه الضياع. وحوّل كلّ شيء في منزلي الى منزلك. وجرّب ذلك مني الساعة، فإن وجدتني أروغ «1» وأعتّل، فدونك «2» . فحاجتي الآن أن تخبرني بذنبي» . قال: «مالك من ذنب، وما من القسمة من بد» . فأقام عنده يناشده الى نصف النهار، ثم أقام يومه ذلك الى نصف الليل، يناشده ويطلب إليه.

فلما طال عليه الأمر، وبلغ منه الجهد، قال له: «حدّثني عن وضعك أطباق الرطب وبسطك الحصر في السكك، وإحضارك الماء البارد، وجمعك الناس على بابي في كل جمعة، كأنك ظننت أنا كنا عن هذه المكرمة عميا. إنك إذا أطعمتهم اليوم البرنيّ «3» أطعمتهم غدا السكر، وبعد غد الهلباثا «4» . ثم يصير ذلك بعد أيام الجمع في سائر أيام الأسبوع، ثم يتحوّل الرّطب إلى الغداء ثم يؤدي الغداء إلى العشاء. ثم تصير الى الكساء ثم الأجداء «5» ثم الحملان ثم اصطناع الصنائع. والله إني لأرثي لبيوت الأموال ولخراج المملكة من هذا، فكيف بمال تاجر جمعه من الحبّات والقراريط والدوانيق والأرباع والأنصاف؟» ؛ قال: «جعلت فداك تريد أن لا آكل رطبة أبدا فضلا على غير ذلك؟ وأخرى فلا والله لا كلّمتهم أبدا» . قال: إياك أن تخطىء مرّتين: مرّة في إطماعهم فيك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015