البخلاء للجاحظ (صفحة 129)

والأعشى «1» كان أعلم به حيث يقول:

وكأس شربت على لذّة ... وأخرى تداويت منها بها

وهذا، حفظك الله، هو اليوم الذي كانوا لا يعاينون فيه لقمة واحدة، ولا يدخل أجوافهم من النقل ما يزن خردلة. وهو يوم سروره التامّ، لأنه قد ربح المرزئة «2» وتمتع بالمنادمة.

واشترى مرة شبّوطة وهو ببغداد وأخذها فائقة عظيمة، وغالى بها «3» وارتفع في ثمنها، وكان قد بعد عهده بأكل السمك. وهو بصري لا يصبر عنه. فكان قد أكبر أمر هذه السمكة، لكثرة ثمنها ولسمنها وعظمها ولشدّة شهوته لها. فحين ظنّ عند نفسه أنه قد خلا بها، وتفرّد بأطايبها، وحسر عن ذراعيه وصمد صمدها، هجمت عليه ومعي السدريّ «4» فلما رآه رأى الموت الأحمر والطاعون الجارف، ورأى الحتم المقضيّ «5» ، ورأى قاصمة الظهر «6» ، وأيقن بالشرّ، وعلم أنه قد ابتلي بالتنين.

فلم يلبثه السّدري حتى قوّر السرّة «7» بالمبال «8» فأقبل عليّ فقال لي:

يا أبا عثمان، السدري يعجبه السّرر» ، فما فصلت الكلمة من فيه، حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015