عقاب الله، ثم ذكرهم بإنعامه وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً أي: قامة وقوة، فكانوا عظام الأجساد، فكان أصغرهم: ستين ذراعًا، وأطولهم: مائة ذراع. فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ أي: نعمه، تعميم بعد تخصيص، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي: لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح، ومن شكرها: الإيمان برسولهم.

قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا من الأصنام، استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والإعراض عما وجدوا عليه آباءهم انهماكًا في التقليد، وحبًا لما ألفوه مع اعترافهم بالربوبية، ولذلك قال لهم هود عليه السلام: قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ، بعد أن قالوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيه.

قالَ قَدْ وَقَعَ أي: وجب عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ عذاب وَغَضَبٌ إرادة الانتقام، أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أي: أتجادلونني في عبادة مسميات أسماء، ففي الكلام حذف. وأراد بقوله: سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أي: جعلتم لها أسماء، فدل ذلك على أنها محدثة، فلا يصح أن تكون آلهة، أو سميتموها آلهة من غير دليل، وهو معنى قوله: ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي: حجة تدل على استحقاقها للعبادة، فالمجادلة يحتمل أن تكون في عبادتها، أو في تسميتها آلهة، والمراد بالاسم- على الأول- المسمى، وعلى الثاني: التسمية.. قاله ابن جزي. فَانْتَظِرُوا نزول العذاب، الذي طلبتم حين أصررتم على العناد، إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ نزوله.

قال تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا عليهم. قال القشيري: لا رتبةَ فوق رتبة النبوة، ولا درجة أعلى من درجة الرسالة، وقد أخبر سبحانه: أنه نجَّى هودًا برحمته، وكذا نجَّى الذين آمنوا معه برحمته، ليُعلَم أن النجاة لا تكون باستحقاق العمل، وإنما تكون ابتداء فضلٍ من الله ورحمة، فما نَجَا مَن نَجَا إلا بفضل الله سبحانه وتعالى. هـ.

وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي: استأصلناهم، وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ، تعريض بمن آمن منهم، وتنبيه على أن الفارق بين من نَجَا وبين من هلك: هو الإيمان.

رُوِي أنهم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هودًا فكذبوه، وزادوا عتوا، فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم، وكان الناس حينئذٍ، مسلمهم ومشركهم، إذا نزل بهم بلاء توجهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه «قيل بن عنز» ، ومرثد بن سعد، في سبعين من أعيانهم، وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عمليق بن لاود بن سام، وسيدهم: معاوية بن بكر، فلما قدموا عليه، وهو بظاهر مكة، أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنى عليهم الجرادتان- قَينَتَانِ له- فلما رأى ذهولهم عما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015