للملك، وتزيين البواطن بالمحبة والوداد أحسن من تزيين الظواهر وخراب البواطن «إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلَى صُوَرِكُم ولاَ إلى أموَالِكُم، وإنَّمَا يَنظُرُ إلَى قُلوبِكُم وأعمَالِكُم» «1» . وملاقاة الملك بالذل والانكسار أحسن من ملاقاته بالتكبر والاستظهار. والله تعالى أعلم.

ولما تعاهدت قريش، ومن دان دينها، أنهم لا يأكلون أيام الحج دسما ولا سمنا ولا أقطا ولا طعاما جاء من الحل، ردّ الله عليهم بقوله:

[سورة الأعراف (7) : الآيات 32 الى 34]

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34)

قلت: من قرأ: (خالصة) بالرفع، فخبر بعد خبر، أو خبر عن مضمر، ومن قرأ بالنصب، فحال.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ وهي ما يتجمل به من الثياب وغيرها، الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ من النبات كالقطن والكتان، أو الحيوان كالحرير والصوف والوبر، والمعادن كالدروع والحلي، وَقل أيضًا: من حرم الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ أي: المستلذات من المآكل والمشارب، ويدخل فيها المناكح إذ هي من أعظم الطيبات. وفيه دليل على أنَّ الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات: الإباحة لان الاستفهام للإنكار، وبه رد مالك- رحمه الله- على من أنكر عليه من الصوفية، وقال له: اتق الله يا مالك بلغني أنك تلبس الرقيق، وتأكل الرقاق، فكتب إليه بالآية.

قال تعالى: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ويشاركهم فيها الكفار، ويوم القيامة تكون خالِصَةً لهم دون غيرهم. كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي: كتفصيلنا هذا الحكم نُفصل سائر الأحكام لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فينزلونها في محلها بخلاف الجهال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015