، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، عبَّر الحق في هذه الآية ب لا يَعْلَمُونَ وفي الأولى ب لاَ يَشْعُرُونَ لأن الفساد في الأرض يدرك بأدنى شعور، بخلاف الإيمان والتمييز بين الحق والباطل فيحتاج إلى زيادة تفكر واكتساب علم. والله تعالى أعلم.

الإشارة: وإذا قيل لأهل الإنكار على أهل الخصوصية، القاصدين مشاهدة عظمة الربوبية، قد تجرّدوا عن لباس العز والاشتهار، ولبسوا أطمار الذل والافتقار، آمنوا بطريق هؤلاء المخصوصين، وادخلوا معهم كي تكونوا من المقربين. قالوا: (أنؤمن كما آمن السفهاء) ونترك ما نحن عليه من العز والكبرياء، قال الله تعالى فِى تسفيه رأيهم وتقبيح شأنهم: (ألا إنهم هم السفهاء) حيث تعززوا بعز يفنى، وتركوا العز الذي لا يفنى، قال الشاعر:

تَذَلَّلْ لِمَنْ تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزةً ... فكم عزة قد نالها المرء بِالذُّلِّ

إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوى عَزِيزاً، وَلَمْ تَكُنْ ... ذَلِيلاً لَهُ، فَاقْرَ السَّلامَ على الوَصْلِ

فلو علموا ما في طيّ الذل من العز، وما في طي الفقر من الغنى، لجالدوا عليه بالسيوف، ولكن لا يعلمون.

ثم بين الحق تعالى ما أضمروه من النفاق وأظهروه من الوفاق، فقال:

[سورة البقرة (2) : الآيات 14 الى 16]

وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)

قلت: اللقاء: المصادفة بلا قصد، والخلو بالشيء أو معه: الانفراد به، ضمنه هنا معنى رجع، ولذلك تعدَّى بإلى، و (الشيطان) فَيْعَالٌ، من شَطَنَ، إذا بعد، أو فَعْلاَن من شاط، إذا بطل، والاستهزاء بالشيء: الاستخفاف بحقه، والعَمَهُ في البصيرة كالعمى في البصر.

يقول الحق جلّ جلاله في وصف المنافقين تقريراً لنفاقهم: إنهم كانوا إِذا لَقُوا الصحابة أظهروا الإيمان، وإذا رجعوا إِلى شَياطِينِهِمْ أي: كبرائهم المتمردين في الكفر والطغيان، قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015