قلت: و (ما يتلى) : عطف على (الله) ، أي: يفتيكم الله، والمتلو عليكم في الكتاب، أي: في القرآن. وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ حذف الجار، وهو في أو عن، ليصدق النهي بالراغب فيها إذا كانت جميلة، والراغب عنها إذا كانت دميمة، والْمُسْتَضْعَفِينَ عطف على (يتامى النساء) أي: والذي يتلى في المستضعفين من الولدان، وهو قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ ... الخ، أو على الضمير في (فيهن) أي: يفتيكم فيهن وفي المستضعفين، و (أن تقوموا) عطف على (المستضعفين) ، أو منصوب بمحذوف، أي: ويأمركم أن تقوموا ... الخ.

يقول الحق جلّ جلاله: وَيَسْتَفْتُونَكَ يا محمد فِي شأن النِّساءِ من الميراث وغيره، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، فيأمركم أن تعطوهن حقهن من الميراث، وَيفتيكم أيضًا فيهن ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ في أول السورة إذ قال: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ثم بيَّنه في تقسيم الميراث في يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ، وقال في اليتامى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ... الآية، فقد أفتاكم في اليتامى اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ من الصداق وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ بدون صداق مثلهن، فأمركم أن تنكحوا غيرهن، ولا تنكحوهن إلا أن تقسطوا لهن في الصداق، إذا كانت جميلة، أو لها مال، أو ترغبون عن نكاحهن إذا كانت دميمة، فتعضلوهن لترثوهن، فلا تفعلوا ذلك، بل تزوجوها أو زوجوها، وكانوا في الجاهلية، إذا كانت اليتيمة ذات مال وجمال، رغبوا فيها وتزوجوها بدون صداقها، وإن كانت دميمة ولا مال لها رغبوا عنها وعضلوها، أو زوجوها غيرهم. فنهى الله تعالى الفريقين معا.

وَيفتيكم أيضًا في الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وهم الصغار، أن تعطوهم حقهم من الميراث مع الكبار، وكانوا لا يورثونهم، رُوِي أن عُيينة بن حصن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أُخبرنا أنك تورث النساء والصبيان، وإنما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة؟ فقال له صلّى الله عليه وسلم: «كذا أُمِرتُ» ، فنزلت الآية.

وَيفتيكم أيضًا ويأمركم أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ أي: العدل. وهو خطاب للأئمة أن ينظروا لهم بالمصلحة ويستوثقوا حقوقهم، ويحتاطوا لهم في أمورهم كلها. ثم وعدهم بالثواب على ذلك فقال: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً، فيجازيكم على قدر إحسانكم. والله تعالى أعلم.

الإشارة: يستفتونك عن نساء العلوم الرسمية، وعن يتامى العلوم القلبية، وهن نتائج الأفكار، وهي العلوم اللدنية، والأسرار الربانية التي هي من علوم الحقيقة، ولا تليق إلا بالمستضعفين عند الخليقة، وفى الخبر: «ألا أُخبِركُم بأهل الجَنَّة؟ هو كل ضَعيفٍ مَتَضعّفَ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ في قَسمه» . أو كما قال صلّى الله عليه وسلم. قل الله يفتيكم فيهن فيأمركم أن تأخذوا من العلوم الرسمية ما تتقنون به عبادة ربكم، وترغبوا في علم الطريقة، التي هي علم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015